مصطلح بدأ يتردد في الأوساط التربوية، بمختلف ميادينها التعليمية والإعلامية بأنواعها مقروءة ومرئية ومسموعة. فمنهم من يراه هدفاً منشوداً فيسعى من أجل تحقيقه في منشآته التربوية، ومنهم من يظنها غاية صعبة - ولا أقول مستحيلة المنال فيرى أنها لا تتواجد إلا في العالم الأول. ومنهم من ينسبها إلى صرحه التربوي دون برهان من الواقع فما الجودة التي يتحدثون عنها؟ الجودة في اللغة: الجيِّد: نقيض الرديء، على فيعل، وأصله جيود فقلبت الواو ياء لانكسارها ومجاورتها الياء، ثم أدغمت الياء الزائدة فيها، والجمع جياد، وجيادات جمع الجمع؛ أنشد ابن الأعرابي: كم كان عند بني العوّام من حسب ومن سيوف جيادات وأرماح وفي الصحاح في جمعه جيائد، بالهمز على غير قياس. وجاد الشيء جُودة وجَودة أي صار جيداً، وأجدت الشيء فجاد، والتجويد مثله. وقد قالوا أجودت كما قالوا: أطال وأطول وأطول وأطاب وأطيب وألان وألين على النقصان والتمام. ويقال: هذا شيء جيد بيِّن الجُودة والجَودة. إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها. (الإسراء). صنع الله الذي أتقن كل شيء. (النمل) إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه (حديث شريف). نجد أن العلم الذي يعنى بقراءة القرآن الكريم على الوجه الصحيح يسمى علم «التجويد» لأن متعلمه يهتم بإجادة التلاوة وإتقانها. وبعد هذه الجولة السريعة حول مدلولات «الجودة» ومترادفاتها في لغة القرآن الكريم في الماضي نصل إلى الحاضر فنجد أن الجودة إذا أطلقت انصرف الذهن إلى إتقان الصناعة فقد كنا قبل سنوات قلائل لا نجدها تطلق إلا على المحسوسات من صناعات في مختلف المجالات فكان المنتج الذي يحصل على علامة الجودة يصبح ذا مكانة عالية بين أقرانه من المنتجات سواء أكانت غذائية أم غيرها. وعلامة الجودة عبارة عن وسام شرف من جهة محايدة هي هيئة المقاييس يدل على أن المنتج قد اجتاز معايير معينة جعلته نموذجاً مثالياً يطمح ما حوله للوصول إليه. أما التعليم فقد عرف الجودة منذ بداياته الأولى فكما سبق أن «التجويد» من المواد التي تدرس في مدارسنا وتعنى بتطبيق قارئ القرآن جميع الأحكام التي تضمن وصوله إلى درجة الإتقان في تلاوته. كما عرف التعليم كلمة «جيد» و«جيد جداً» كوصف للمستوى التعليمي (التحصيلي) للطالب أو لمستوى الأداء الوظيفي للمعلم. إلى أن وصل التعليم إلى ما نحن بصدد الوصول إليه حالياً «الجودة في التعليم» كمفهوم شامل واسع يشمل كل المدخلات التي تضمن مخرجات مطلوبة وتشمل هذه المدخلات البيئة المدرسية والمنهج والمعلم.. الخ. بدأ مفهوم الجودة الشاملة ينتشر في الأوساط التعليمية متنقلاً إليها من الأوساط الصناعية بل أصبح الواحد منا يدخل كلمة «جودة» في محرك البحث لتخرج له آلاف الصفحات معظمها يعنى بالجودة في التعليم بدءاً من التعليم العالي مروراً بالتعليم الأهلي وانتهاء بالتعليم الحكومي العام. والفضل في ذلك لله أولاً ثم لهذا التداخل المعرفي بين الشعوب وهذه الثورة المعلوماتية في هذا العصر. لقد اكتشف الطامحون إلى نهضة حضارية في العالم الثالث أن سر نهضة الغرب وبعض دول الشرق في ذلك التلميذ الذي يخرج كل صباح من منزله إلى مدرسته. هذا الطفل سيكبر سيسهم - شاء أم أبى - في رسم المستقبل بكل تجلياته للأمة سواء أكان نسخة من الحاضر المعاش أو كان يحمل تغييراً جذرياً ايجابياً نحو النهضة الشاملة. إن الجودة الشاملة في التعليم تقود إلى النهضة الشاملة في كل المجالات فلنبدأ في رسم المستقبل المشرق المتغير لأمتنا من خلال ذلك التلميذ نؤمن له الفصل الفسيح والمقعد المريح والمعلم المثقف والمربي الحاني والملعب المزروع والكتاب المثري الممتع هذه هي المدخلات المطلوبة لمخرجات مرضية للطموحات محققة بإذن الله للآمال.