هناك تساؤل ظل سائداً في الأوساط الدولية، هل السياسة تتبع الاقتصاد، أم العكس؟ والحقيقة أنه لا يمكن الفصل بينهما، فقد تبقى السياسة ركناً أساسياً في عمل ومبادئ أي دولة بأهداف محددة، أو متناقضة، ليأتي أي تصرف غير مقدّر أو خاطئ، كارثة على البلد، رغم الإمكانات الاقتصادية الجيدة، ويتمثل ذلك في إثارة حروب صدام حسين التي أهدرت الثروات المادية والبشرية لأسباب لم تراع خطورة المغامرة، وهناك بلدان تجعل الهدف الاقتصادي هدفاً أساسياً، وتجعل السياسة في خدمته، وهذا النهج اتبعته دول أوروبية وآسيوية، استطاعت النجاح والحياد في الصراعات السياسية، غير أن الدول التي تتمتع بقدرات اقتصادية وعسكرية تذهب إلى النطاق الأبعد في سياستها باحتواء تلك الدول ذات المواقع الاستراتيجية، أو الثروات القومية، وتمثلت هذه الاستراتيجية بالقوى الكلاسيكية مثل بريطانيا، وفرنسا وألمانيا وغيرها في القارة الأوروبية مما أشعل الحروب التي اختتمت بالحربين العالميتين، والتي شملت اليابان ومحورها، كذلك الأمر في الاتحاد السوفياتي الذي جعل مصادر الثروات في يد الدولة لتتخذ اللجنة المركزية كل القرارات الداخلية والخارجية بما فيها الهيمنة على الدول والأحزاب الخارجية.. ورغم التقدم في الفكر السياسي وتطوره في خلق تعامل سلمي بين الشعوب إلا أن نزعة الحرب عند أمريكا ظلت هدفاً ومبدأ، غير أن الانتكاسات الأخيرة التي حدثت في أفغانستان والعراق ، والتكاليف الباهظة مادياً وبشرياً، جعلتها تعيد النظر في هذه السياسة عندما لم تتحمل الدولة العظمى تلك الخسائر، والتي جاءت جزءاً من أسباب الانهيار المالي الدولي.. وهناك مشكلة الخلط بين الأهداف، وخاصة الدول التي ليست لديها المناعة بأن لا تتعرض لنكسات حادة، أو تجد نفسها في محيط ملتهب يجعل القوانين والقرارات والسلوك مسيّسة لأغراض تخالف المصالح الوطنية، وعلى حساب التنمية الاقتصادية والبشرية، ولعل وضع دولنا العربية في حالة ارتباك دائم لغياب السياسات الوطنية التي كان من المفترض أن تراعي كل الأسباب التي تؤدي إلى التخلف، والعجز عن استغلال الإمكانات المتاحة، وتوظيفها في رفع مستوى الدخول والحريات ، وتطوير التعليم والانفتاح على الآخر وفق خطط تراعي كل المصالح والأهداف، هو جزء من هذا الخلط.. دول الخليج حاولت، ونجحت إلى حد ما في أن تتكيف مع الأوضاع العربية، وخاصة التي اختارت السياسة التقليدية بما فيها معوقات النظم، والتعامل معها بمنطق الوسطية والحياد، في غالب الأحيان ، عند الخلافات التي تصطنعها، وصارت تستثمر مداخيلها في تنمية شاملة، ولهذا الاعتبار وجدنا المملكة صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة موضع اهتمام القوى الاقتصادية الكبرى ، وهذا يعيدنا إلى أن الدولة التي تعتمد السياسة في الدفاع عن مصالحها، وبناء علاقات اقتصادية مميزة، هي من تجعل الدمج بينهما وسيلة نجاح بحيث لا تتغلب السياسة على الاقتصاد أو العكس، ولعل ما نشهده من اجتماعات ومؤتمرات وزيارات متعددة لزعامات أو رجال أعمال، أو شخصيات مهمة للمملكة يأتي بفرضية تأكيد هذه المصالح وفق قاعدة التساوي بالمسؤوليات جميعاً، ودون فارق بينها بالدولة الأهم والأكبر، والأخرى الأدنى والأصغر..