بإعلان محمود عباس (أبو مازن) الأسبوع الماضي عن رغبته عدم الترشح لرئاسة السلطة، يكون قد خرج عملياً من مهمته غير الرسمية وهي قيادة المفاوضات مع إسرائيل، الذي وصفه قادتها دائماً بالشريك. هناك حاجة لنعرف أي طريق أدى بعباس الى إعلان نيته تلك في الخميس الماضي. في مايو 2002 انتقد أبو مازن بشدة الانتفاضة الثانية وهي في أوجها، وتركز انتقاده على الاستخدام المفرط للإرهاب، ودعا للعودة الى طريق المفاوضات. وفي ابريل 2003 أيد مسودة الاتفاق التي صغتها مع اثنين من ممثليه والتي ركزت على انسحاب إسرائيل من غزة، بعد سنة من سيطرة السلطة على غزة. وقد تم تسليم الخطة لرئيس الحكومة آنذاك ارئيل شارون إلا انه رفضها في حينه، وتبنى بدلاً منها خطة "أحادية الجانب"، لم يكن مشروطاً في إطارها كما هو معروف انسحاب إسرائيلي وتصفية الإرهاب. وفي سبتمبر عام 2003 استقال أبو مازن من رئاسة الحكومة احتجاجاً على سياسات ياسر عرفات. وفي نوفمبر من العام 2004 توفي عرفات الذي قيل عنه "طالما بقي في المقاطعة فلن يحدث أي تقدم"، وتم انتخاب أبو مازن خلفاً له في يناير عام 2005. لكن إسرائيل لم تستغل هذا التغير الحاصل في الجانب الفلسطيني، ولم يؤد انسحابها من غزة الى تدعيم موقف عباس أمام حماس. وبسبب سياسة "أحادية الجانب" أعطيت غزة لحماس، والنتيجة معروفة للجميع. وفي يوليو 2005 وافق ابو مازن على مذكرة تفاهم صغتها بنفسي مع واحد من كبار المسؤولين بفتح، وذلك لتكون هذه المذكرة أرضية لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي، ولعرضها في الانتخابات الإسرائيلية آنذاك وعلى السلطة الفلسطينية كوثيقة مشتركة بين فتح وحزب العمل. وتضمنت هذه الوثيقة جميع المبادئ المتفق عليها للتسوية الدائمة، وقائمة طويلة للقضايا العالقة والتي سيتم بحثها خلال المفاوضات. غير أن فوز حماس في انتخابات 2006 أفقدت هذه الوثيقة قيمتها. وفي التاسع عشر من ابريل عام 2006 وبعد الانتخابات في إسرائيل وقبل تولي حكومة اولمرت زمام الأمور رسمياً، التقيت أبا مازن في منزله برام الله. وطلب حينها البدء فوراً بالمفاوضات بعد تشكيل اولمرت لحكومته مباشرة. وقمت أنا بدوري بإيصال فحوى هذه الرسالة الى مكتب رئيس الحكومة، وكان ردهم لي بأن رئيس الوزراء غير معني بهذا الآن. وبعد سنة ونصف عُقد اجتماع انابوليس. وفي سبتمبر 2008 توصل ايهود اولمرت وأبو مازن الى تفاهمات كانت ستؤدي الى اتفاق، غير أن انفجار قضية تالانسكي حينها قيدت اولمرت تماماً. لم يكن الرجل – الذي تمسك بالمفاوضات - يائساً بسببنا فقط، بحسب الأحداث التي سردتها أعلاه، بل أدى التجاهل العربي للقضية الفلسطينية، ومشكلة الانقسام التي تسببت بها حماس، وتراخي الولاياتالمتحدة وتسامحها مع إسرائيل الى عدم التوصل لأي نتيجة. إن خطوة أبو مازن – شريكنا الشجاع – كانت نتيجة لتجاهلنا له، وغطرستنا، وعدم الاهتمام بما يجري على بعد 5 كيلومترات فقط من مقر الحكومة في القدس. نتنياهو ان تخلي ابو مازن عن ادارة الاتصال مع اسرائيل بُشرى لمن كان يخشى إنهاء هذا الصراع، ولمن يخشى السلام وغير مستعد لدفع ثمنه. اما بالنسبة لمن فهم العالم من حوله والبقية التي يهمها مصير الدولة اليهودية فان هذا الحدث ليس الا جرس إنذار. * وزير إسرائيلي سابق رئيس مركز الحوار الاستراتيجي بكلية نتانيا صحيفة "هآرتس"