الجو .. لا أستطيع أن أصفه إلا بأنه .. بديع بشكل أسطوري .. و ( ح ) يمد رجليه الحافيتين .. على شاطئ لنكاوي في ماليزيا .. عندما أتته المكالمة التعيسة .. عن صديق عمره ( م ) .. طالباً مثوله أمام المحكمة .. السؤال .. لماذا ..؟! 1400ه .. كانا كغيرهما من تجار الطفرة .. بينهما معاملات تجارية عديدة .. فأحدهما اليوم مدين .. وغداً دائن .. ( م ) اتفق مع ( ح ) على أن يهبه جزءاً يقدّر ب ( 50.000 م 2 ) من أرضه الواقعة قريباً من شمال الرياض .. بالفعل قام ( م ) بالتنازل ل ( ح ) أمام كاتب العدل .. مسجّلاً في أصل الصك بأنها تنازل بدون مقابل ولا عوض أو ثمن .. لكن كاتب العدل بدل أن يسجلّها في ضبط الإقرارات والهبات .. قام بتسجيلها سهواً في ضبط المبايعات .. استغل ( م ) ذلك بعد ( 30 ) سنة ليرفع قضيته بحجة أن ما تم عبارة عن بيع صحيح وليس هبة أو تنازلا وأنه لم يستلم حقه وهو ما يطالب به الآن ..! الهبة : عقد يتصرف بمقتضاه الواهب في مال له دون عوض .. ولكن يجوز للواهب دون أن يتجرد من نية التبرع .. أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين .. ويعتبر عقد الهبة من أسمى العقود .. ففيه يفتقر الواهب ويغتني الموهوب له .. فهو إذاً عطاء وتضحية .. وسواء كان الواهب يهب سعياً وراء عوض أو بدافع عاطفة كريمة .. فإنه كثيراً ما يندفع ويخطئ تتغير ظروفه وأحواله. لكن الرجوع في الهبة .. خارج الإطار الوعظي المشدّد فيه .. يمثّل صداعاً مزمناً للواهب الذي يريد الرجوع في هبته قضاءً لأي سبب من الأسباب .. خصوصاً مع غياب نصوص القانون المدني .. الذي يحكم ويؤطر الضوابط الشرعية .. كغيرنا من الدول .. فمثلاً في القانون المدني السوري لا يجوز الرجوع في الهبة إلا وفق شروط وضحها القانون: أ- أن يخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب .. أو نحو أحد أقاربه .. بحيث يكون هذا الإخلال جحوداً كبيراً من جانبه. ب- أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة .. بما يتفق مع مكانته الاجتماعية .. أو أن يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه الشرع من النفقة على الغير . ج- أن يرزق الواهب .. بعد الهبة .. ولداً يظل حياً إلى وقت الرجوع, أو أن يكون للواهب ولد يظنه ميتاً وقت الهبة .. فإذا به حي. ورجوعاً إلى أرض الواقع حيث لا قانون يستند إليه .. فإن الأصل في العقود الصحة .. والتنازل هبة تمت بإيجاب وقبول .. بحيث لا يقبل الرجوع من قبل المدعي في إقراره بالتنازل هبة لأنه لا عذر لمن أقر .. كما أن هذه الدعوى يكذّبها العرف والعادة حيث لا يعقل أن يأتي ( م ) بعد ثلاثين عاماً ليطالب بالثمن تحت ذريعة أن التصرف بالهبة يستر بيعاً .. وعليه فإن تصرفه الصادر منه صحيح ومنجز على اعتبار أنه هبة صحيحة ونافذة ومستقرة بقبض الموهوب له. هذه الإشكاليات التي تطرح في رجوع الهبة .. إنما يمكن تفاديها بشيء من الثقافة للواهب أو للموهوب له .. حيث تنبئهما بما يمكن أن تتجه إليه الدعوى منهما .. حيث يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية: • إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متَّصلة موجبة لزيادة قيمته. • إذا مات أحد طرفي عقد الهبة. • إذا تصرَّف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرُّفاً نهائياً. • إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر. • إذا كانت الهبة لذي رحم محرم. • إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له. • إذا كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر . هذه الشروط والموانع .. إنما هي ضوابط وأطر .. للحديث الشريف والذي وضع إطاراً مخيفاً لمن أراد فقط الرجوع في هبته: (العائد في هبته .. كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه). *الباحث في أنظمة العقار