لكل شيء ثمن، لا يوجد شيء بالمجان "there's no such thing as a free lunch" هكذا يقول الاقتصاديون فأقدم تعريف (وهو التعريف الذي اشتقت منه جميع التعاريف) لعلم الاقتصاد يقول: "علم الاقتصاد هو وليد - وبالتالي هو علم - الندرة scarcity". قد تختلف التكاليف (أو الأسعار) من سلعة لسلعة ولكن للحصول على شيء ما لا بد من التضحية بالتنازل عن شيء آخر مقابله وهذه التضحية في علم الاقتصاد تسمى: TRADE OFF. تكاليف انتاج برميل البترول في المملكة كان لا يتجاوز السنتات ثم أصبح الآن يقارب الدولارين وربما أكثر كثيرا لو حسبنا تكاليف الطاقة الفائضة التي تحتفظ بها ارامكو للحفاظ على ما يسمى استقرار أسعار أسواق البترول في العالم. ولكن رغم ارتفاع تكاليف استخراج برميل البترول فإنها لا تزال لا تساوي الا جزءا ضئيلا من سعر بيع البرميل في السوق ولذا لا نشعر بالارتفاع التدريجي في تكلفة إنتاج البرميل التي ستصل حتما ذات يوم (اذا استمرينا في زيادة الإنتاج) إلى أعلى من سعر بيع البرميل ويصبح استخراج البترول غير اقتصادي. نعود الآن إلى تكاليف استخراج مياه الربع الغالي (بالغين كما يسميه المكتشفون الجدد). سأفترض جدلاً وجود مخزون مائي ضخم (ولنسميه تيمنا نهر الغوار) مدفونا عميقا تحت كثبان الرمال الصفراء. السؤال الأول هو: ماهو حجم هذا الماء وما هي تكاليف استخراجه وتجهيزه للاستعمال سواء لتحويل الصحراء القاحلة إلى مزارع و مراع خضراء أو للشرب و الطهي في المنازل؟ في حالة استخراج برميل البترول نحن (على سبيل المثال) نبيع البرميل بسبعين دولارا نخصم منها دولارين تكاليف إنتاج البرميل والباقي تعتبره مصلحة الإحصاء قيمة مضافة للناتج القومي فلا نحمل هما لتكاليف إنتاج البترول لأن مردوده يغطي أضعاف أضعاف جميع تكاليف انتاجه، أما في حالة استخراج برميل (أو دلو) الماء من مخزون الربع الخالي فأول مشكلة تواجهنا هي من أين نأتي بتكاليف استخراج الماء وجعله صالحا للاستعمال؟ من الناحية الاقتصادية يتساوى (أي لافرق بين) وجود أو عدم وجود الماء اذا لم يكن استخراجه اقتصاديا أي أن تكون عوائده أعلا من تكاليفه؟ ليس الاختلاف على وجود المياه في الربع الخالي فقد يكون الماء موجودا و يمكن الاستفادة منه لتمدبد مياه الشرب بشكل محدود الى المناطق المجاورة كنجران ولكن يجب عدم المبالغة واتخاذه مبررا للمطالبة بالعودة الى الزراعة تحت شعار الأمن الغذائي فمهما كان حجم هذه المياه فهي مخزون ناضب مصيره في النهاية مصير عيون الأحساء والعيص وينبع النخل وآبار الخرج والقصيم و وادي الدواسر. نختم بحدوثه (ذكر الأسماء للتوثيق فقط) قبل أن يتم فصل المياه عن الزراعة دعت وزارة الزراعة الى تكوين لجنة من جهات عديدة لمراجعة وتقييم نشاطها الزراعي والمائي ومن ثم تقديم توصيات لرفعها للمسؤولين للاسترشاد بها في الاستراتيجية القادمة. افتتح الاجتماع الأول (حضره مايقارب المئة ممن يلقبون بالخبراء) الدكتورعلي الطخيس (مدير عام المياه حينذاك ووكيل وزارة المياه الآن) وفي وسط الاجتماع سألنا الدكتور الطخييس هل نرى أن يشمل التقرير ذكر السلبيات أو يقتصر على ذكر الإيجابيات فقط، فقلت له لابد من ذكر السلبيات أيضا حتى نتفاداها مستقبلا وفجأة سمعت صوتا ينهرني قائلا يادكتور لاتحسب اننا نفهم أكثر من المسؤولين فهم يعرفون السلبيات أكثر منا. فسألته الأخ يمثّل أي جهة؟ فقال مزهوا وزارة التخطيط. فقلت له هل أنت متأكد؟ فلوّح ببطاقته في وجهي ونغم بكلمات اعتقدت انها شتيمة فقلت له لللأسف اذا كانت وزارة التخطيط التي تخطط لمستقبلنا ومستقبل اجيالنا القادمة تقول هذا فلماذا بدلا من هذا ألأجتماع أن لانعطى الموضوع لآرا لكتابة التقرير. * رئيس مركز اقتصاديات البترول "مركز غير هادف للربح"