اليوم هو أول أيام الوسم، والناس في نجد يتفاءلون كثيراً بالوسم، ويفرحون كما الأطفال في يوم العيد بهذا الفصل، ويستبشرون إلى حد الانتشاء بأيامه، وأنوائه، وسُحبه، وأمطاره، ويرون فيها ولادة الدهشة، وامتلاك الفرح، وفرجاً للروح والنفس والمشاعر من عذابات الصيف، وشحه، وتأزيمه للإنسان. ولأن الإنسان في نجد هو كائن بيئة غير مائية، فإن المطر في حياته رخاء، وعذوبة، وأمل في حياة جيدة وجميلة يتأتى له فيها العيش بشيء من الاسترخاء الذهني، والحياتي، ويستمتع بالجمال ويصطاده من خلال سحابة تتكون، وبرق يلوح كما الحلم، ونسمات هواء تحمل روائح الخصب، والعطاء، وولادة حالة ما تسخو بها الأرض حتى البذخ، والترف، الطاغيين. في الوسم تتجدد الآمال، والأحلام، ويتكرس عشق الصحراء، ووله الإنسان وارتباطه بفضاءاتها الموحية بالغواية، والنشوة. فيعود كما كان حنينه كائناً صحراوياً منعتقاً من كل أزمات المدينة، وتفاصيل حياتها المقولبة والمنمطة، وسياط مجتمعها التي تحدد له مساراته، وأحلامه، وأفكاره. منذ عصر امرئ القيس والعذارى في وادي النساء، وحتى عصرنا الحاضر يكون الماء حاضراً في الذاكرة، والوجدان، مرتبطاً بالعشق، والحب، وشهية الحياة. فهذا جميل تكوّن عشقه، وتأصل حبه على مورد ماء. «وأول ما قاد المودة بيننا بوادي بغيض يا بثين سبابُ أتت بكلام، قد أتيتُ بمثله لكل سؤال يا بثين جوابُ» الحب، والعشق، وارتباطات الروح، وتجليات الفكر تأتي في نجد مع الماء، مع المطر الذي هو نسغ في حياة الإنسان، فشاعرنا الشعبي سليمان بن شريم يوحي لنا بهذا الوعي «ريحه كما ريح الزهر في شعيبه في مربع عله من الوسم تشعيب ممطور أمس، ومدرس ما وطي به واليوم شمس وفاح طيب على طيب» أما الاحتفاء بالمطر، والفرح به، والاحتفال بما ينتجه من عطاء.. فيصوره العريني: «سقوى إلى حقت علينا السحابه واخضر كل معذر من هضيبه ووادي حنيفه مد حبل الرجا به جمه على الطيه، يخضه عسيبه وديارنا اللي في ملاقي شعابه يرجع لها عقب الشهابه عشيبه حتى النخل يشتاق حيّ مشى به باطراف سبحاته تنوح الربيبه» إنه الوسم ننتظره مهدئاً للروح. وإنه كائن الصحراء يفرح به ويراه منعتقاً من الصدأ.