(الوسمي) أفضل الفصول لاستقبال المطر، ومدته خمسون يوماً تبدأ من نهاية الصيف ودخول الخريف، ويطلق عليه (الوسم) لأنه ييسم الأرض بالعشب والزهر.. بالخزامى والقرنفل.. بالشيح والريحان ببساط أخضر يبهج العين والقلب.. وينعش الحواس.. ويرهف الأحساس.. يزيل الجفاف ويعد الأنعام بالخير والخصب.. ويستبشر العرب عامة.. والبدو خاصة.. بالمطر في الوسم.. أو (الوسمي) ويفرحون به فرحة الحبيب بلقاء حبيبه بعد فراق طويل.. ونحن البشر نحتاج المطر كما نحتاج الشعر.. كلاهما جميل - وكلاهما ينعش الأرواح ويرهف الإحساس ويجعل الإنسان من النشوة كأنما يطير في الخيال.. ولهذا حين يتذكر العربي أيامه الجميلة يقول: سقيا لها من أيام.. وحين يتذكر أحبابه وديارهم يهتف: سقيا تلك الدياركك يقول الشيخ عبدالله بن خميس حين أجدبت نجد: "حلفت بالله يا بلادي ما نبي لك بديل لو كان دار يجتني الياقوت بسهالها يا الله يا للي لا عطا مهوب مدة قليل طالبك يا منزل بلاها تلطف بحالها عساك يا وادي حنيفة كل يوم تسيل تحيي بلاد جدّد الإسلام بقذالها" وقديماً قال الأعشى وكان يسكن اليمامة (في منفوحة) وذكر في شعره (نمار) وهو الوادي المعروف الآن وسط الرياض: "بل هل ترى عارضاً قد بت أرمقه كأنما البرق في حافاته شعل له رداف وجور مفعم عمل منطَّق بسجال الماء متصل قالوا: "نمار" "فبطن الخال" جادهما فالعسجدية فالأبلاء فالرِّجل حتى تحمل منه الماء تكلفة روض القطا فكثيب الغينة السهل" وقد ذكر أماكن بنجد، قالوا: إئا خرجت تريد البصرة من اليمامة فأول ما تطأ السفح ثم الخربة ثم قارات الحبل فروض القطا، وكلها أماكن بنجد هي ونمار وبطن الخال. والعربي يحب المطر حتى وإن عاش في بلاد غزيرة الأمطار، فنشأته وتراثه عشق للمطر، من لا يذكر أجمل موشحة أندلسية، وهي التي قالها الوزير أبو عبدالله بن الخطيب وهي في الأندلس العزيرة المطر، ومنها: "جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصل في الأندلس لم يكن وصلك إلا حلماً في الكرى أو خلسة المختلس إذ يقود الدهر أشتات المنى ينقل الخطو على ما يرسم زمراً بين فرادي وثنى مثلما يدعو الوفود الموسم والحيا قد جلل الروض سنى فثغور الزهر فيه تبسم وللأمير خالد الفيصل قصائد جميلة في المطر.. منها قوله: "محري بالخير يا مزن نشا يا حلو عقب الوسم رجع السحاب هلَّ رذاذك على رمض الحشا ربَّع بقلب دوام لك شباب كل زهر فاح ريحه وانتشى بالرياض وبالنفود وبالهضاب ما نسيتك يا هوي بالي حشا حبك بروحي وبالخفاق ذاب عادني شوق قديم وانتشى من هواكم مولع ما قط غاب لو غشاني بالمودة ما غشى اشتهي فيك الهوى لو هو عذاب" فحتى مع الحب والوجد يظل المزن الواعد في الوسم أفضل كناية ورمز، وأحلى إطار لحكاية حب. وللأمير بدر بن عبدالمحسن قصيدة مشهورة عنوانها (ديمة) وفيها إطار الحب يمتزج مع المطر - الحب الأزلي للعربي - والديمة هي المطر الخفيف الدائم دون رعد أو برق، وهي في الوسم عجب عجاب في إحياء الأرض الموات وفرش أبسطة الحرير الخضراء وانعاش الأرواح والأعضاء: "قلت المطر قالت اليوم ديمه ما به رعد. لا برق.. من غير هتان عشقٍ جمع ما بين قاع اوغيمه فيّض على صدر الثرى دمع الأمزان همس النديم اللي يعاتب نديمه صوت المطر كنه تعاتيب خلان" ولا يوجد أحلى من منادمة المطر للثرى، فإذا بكت السماء ضحكت الأرض، وإذا هطل الغيث تهللت أسارير الصحراء.. بين المطر والأرض صداقة.. حب وغزل.. وخاصة الرياض: يقول الشاعر العربي: "روض عن صنيع الغيث راض كما رضي الصديق عن الصديق يعير الريح بالنفحات ريحا كأن ثراه من مسك فتيق كأن الطلَّ منتشراً عليه بقايا الدمع في الخد المشوق"