في ثقافتنا، وعشقنا، وولهنا، وتآلفاتنا مع تفاصيل بيئتنا الصحراوية الملهمة، والشاعرة، والأخاذة بأزمنتها الخرافية، ولياليها الحالمة المهيبة، وأمكنتها الثرية بالوجد، والعشق، والمغامرات، والحكايا، والأحداث الغرامية المؤسسة، والبوح الصادق الملتهب من زمن امرئ القيس، ووادي النساء "ويوم عقرت للعذارى مطيتي" وحتى المجنون، وجميل، ووادي بغيض حيث كانت بداية ملحمة عشق أسطورية، و"لكل سؤال يا بثين جواب" والرضا "بالنظرة العجلى، وبالحوءل ينقضي" وكثيّر عزة، والدين الذي لم تف به "قضى كل ذي دين فوفىّ غريمه، وعزة ممطول معنّى غريمها" .. من ذلك الزمن الجميل، والمبهرين المعلمين، وهذه الصحراء العجيبة بأوجاعها، وسخائها، وولادة العشق في أوديتها، وموارد مياهها. نشأت معنا ثقافة لغة الزهور، والأشجار العبقة بروائحها، والمحرّضة على التفاعل الروحي، والنفسي، والعاطفي، حتى إن الإنسان إذا امتلك زهرة، فكأنما امتلك حب العالم، وعشق الكون، وتوحّد مع الحبيب حتى لو تباعدت الجغرافيا، والمسافات، والأزمنة، وهفا القلب إلى لذة لقاء كان، والروعة دائماً ليست في اللحظة، ولكنها في استعادة اللحظة، وتفاصيل اللحظة، وما كانت عليه عذوبة اللحظة. عشنا، وفي مخزون ثقافتنا، الأقحوان، والخزامى، والنفل، والشيح، نخرج في مواسم الأمطار إذا أعطت الغيمات سخاءها الأسطوري، نبحث عن نبتة برية من هذه الزهور، أو شجيرة صغيرة نمتلكها فتعطينا زخماً رائعاً من العذوبة، والتهذيب، والحب، والتعاملات الرقيقة، ولا تعاملات علي بن الجهم مع العيون بين الرصافة والجسر، وكيف صاغت منه كائناً مختلفاً، وحوّلته إلى كائن حضاري عاشق رقيق. عشنا ذلك الزمن، فزرع فينا شفافية، ورهافة، وعلمنا عبر تلك الأزهار أن الجمال حق طبيعي للكائن، وان الاستمتاع به هو حالة صحية حضارية متفوقة، ولا أحد يمكن أن يصادر إحساسك بالجمال، ومتعته، والحب وعذوبته. لأن هذا شيء لا تتأتى مصادرته. وإذا رأيت من يحقد على هذا السلوك، أو يرفضه فتذكر قول ذلك البائس التعس المبدع إيليا أبوماضي، ودائماً نتذكره. "لا تطلبنّ محبة من جاهل فالمرء ليس يحب، حتى يفهما وارفق بأبناء الغباء، فإنهم مرضى، لأن الجهل شيء كالعمى". انتقلنا عبر تربيتنا الصحراوية من الشيح، والنفل، والخزامى التي تغنى بها الشعراء الشعبيون، وشعراء الفصحى. إلى أن أصبح هاجسنا أن يكون في منازلنا، وشوارعنا، وساحاتنا، وحدائقنا العامة ورود، وزهور متعددة الألوان، والتكوينات والروائح، وصرنا نصاب بكثير من التعاسة، والحزن كلما رأينا شخصاً يغتال زهرة، ونعتبره عملاً وحشياً ومجرماً، لأنه يغتال الروح، والعقل، والحب، والتصالح، والتناغم، ويغتال إرثاً كبيراً من ثقافة العشق في مكوّننا الثقافي، والمعرفي. والعشق حالة تصنع المعجزات، والإبداعات،والتحولات، والإنجازات. أما لماذا هذا الآن..!؟ فالجواب يأتي سريعاً : لأننا نعيش ثقافة الاهتمام بالشجرة والزهرة في منازلنا كرمز جمالي. وحضاري. صباحكم فل، وورد، وخزامى، وشيح.