قبل الالتقاء به قال الكثير عن الذين سألتهم عنه والذين وصفوه ب " سيد درويش الحجاز " الأستاذ عبدالرحمن اللهبي"الحمدان" الذي عاصر الكثير من الفنانين الكبار منذ البدايات أمثال حسن جاوه وحمزه مغربي وغيرهم ممن أسسوا الطرب الحجازي. وفي هذه "المساحة الزمنية"نقلب أوراق العم عبدالرحمن مؤلف كتاب"رجال الطرب الحجازي في الثمانين سنة الأخيرة من القرن العشرين"ليتحدث عن مذكراته. • كيف تقدم نفسك للقراء ؟ - عبدالرحمن محمد حمدان اللهبي من بني سعد من هوازن من الطايف من مواليد مكةالمكرمة في 10/1/1364ه في حارة الهنداوية، والدي رحمه الله كان في مكةالمكرمة وكان من العلماء "الشافعية"، انتقلت إلى الطايف وكان عمري حينها 5 سنوات ودرست في المدرسة السعودية الابتدائية بالطايف وهي مبنية من العهد العثماني في باب الريع وكانت تسمى هذه المنطقة بالهضبة. تخرجت من المدرسة الثانوية عام 1383ه، بعدها توظفت مدير دار التربية الاجتماعية بالطايف وكان عمري 19 سنة ثم رشحت من قبل الوزارة بعد 9 اشهر من عملي في دار التربية الاجتماعية (دار الأيتام )وبعد ذلك رشحت إلى مدير دار التوجيه الاجتماعية (إصلاحية الأحداث)واستمريت بها عشر سنوات حتى عام 1394ه ثم تركتها وعملت في قسم البحث الاجتماعي، ثم انتقلت الى جدة في قسم تخطيط المدن واستلمت قسم الخرائط الجوية والشؤون الإدارية بعدها ألح علي الامير بندر بن فهد الذي كان يشغل مدير المصانع الحربية بالعمل في الخرج وكان ذلك عام 1398ه واستلمت العلاقات والترفيه وتنقلت في عدد من الوظائف حتى تقاعدت عام 1419ه واستقريت في جدة . • كيف هي علاقتك بالجانب الرياضي ؟ - بحكم علاقاتي الواسعة واهتمامي بالرياضة كنت نائب رئيس نادي التضامن قديما بالطائف وكان ذلك بين عامي"1386-1387ه"وفي ذلك الوقت كلفني صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الرئيس العام لرعاية الشباب في ذلك الوقت بجمع أندية الطائف في نادي واحد وسميتها نادي عكاظ واستمريت في إدارته حوالي أربع سنوات. • إذن كيف كانت البداية الفنية ؟ - كانت البداية في السبعينات الهجرية وكان عمري حوالي 14 سنة في ورشة النجارة الخاصة بابن عمي (حمدان)وكان يطلق عليه (المعلم)كانت ورشته بجوار مسجد عبدالله بن عباس رضي الله عنه وبها حجرة و دكة كانت الحجرة للشتاء والدكة للصيف كأنما هي رحلة قريش ،كان مغرما غراما متناهياً بالطرب، حتى إذا جن ليله تحولت الورشة الى مجلس طرب لا أحسب مطربا لم يمر على تلك الورشة وكان يصيف بها العم حمزة مغربي عازف القانون العظيم وغيره حتى أني تعلمت الفن في هذه الورشة وكنت معجبا بالقانون ومحبا له وابتاع لي ابن عمي قانون (مشي حالك)وعم حمزة يعلمني وكان رحمه الله طيب القلب محافظا على صلاته كثير الذكر ولكنه نزق يثور لأقل سبب ولقد كان سببا لكرهي لآلة القانون حيث (صادني)مرة وقد أخرجت قانونه وعزفت عليه وسمع صوت قانونه وهو صاحب الأذن الموسيقية المرهفة وجاء على رؤوس أصابعه وأخذ مفتاح القانون في غفلة مني والمفتاح من الحديد"وضربني" به على أصابعي حتى كدت أطير من الألم وقال (هذا قانون حمزة)وكانت آخر مرة أمسك قانون فقد أصبت برهاب (قانون حمزة)، كان(الصنايعية)وأقصد العاملون جميعهم فنانين أذكر منهم ،عبدالرحيم كابلي وابراهيم عاشور وكان يرتاد الورشة أو لنقل يسكنها أحيانا الفنان عبدالله محمد"رحمه الله" وكان يعرف باسم(عبده) وكان يحب الطرب وروى لي أنه كان يجمع الشباب من مقاربيه في العمر ويحضر تنكة ويغنوا عليها أغاني يمنية مثل أغاني الفنان محمد جمعة خان وكان لعبدالله محمد أغنية اشتهر بها من تلحينه وكلماته تقول: " يادودحية يا موتر جديد- إنت الكمانة وأنا عود القنا" بعدها تعلمت على آلة الكمان ودرستها مع مجموعة من الذين كانوا يحضرون الورشة وتعلمت من محمد الريس عزف الكمان والأنغام بعدها تعلمت في مدرسة الجيش التي كان يشرف عليها الموسيقار طارق عبدالحكيم . حسن جاوة • ماسبب انقطاعك عن الفن وأنت كنت من المميزين وعاشقا للفن ؟ - سبب انقطاعي عن الفن هي عندما سافرت الى الخرج كنت أعزف لنفسي وفي إحدى الليالي كان هناك حفل أقمناه على مسرح المصانع الحربية وكنت مشرفا عليه وكان الفريق إبراهيم الفارس الذي يعرف أني أجيد العزف على الكمان موجودا فألح علي أن أشارك الفرقة الموسيقية العزف وبالفعل شاركت وعزفت أربع مقطوعات موسيقية وفي اليوم الثاني أتى شخص وقال لي يريدك الشيخ عبدالله الشعيبي بعد صلاة العصر، ذهبت له وهو شيخ ضرير وقال لي إنت عبدالرحمن اللهبي قلت نعم "وبصق"في وجهي وقال إنت"جاي" من الحجاز لتفسد أبناءنا قلت له ياشيخ لاتستعجل بالحكم ولم يسمع لي وأضاف قائلا: إنت تبغى تنشر الفساد في الخرج ولا أخفيك سرا أني تضايقت كثيراً من كلامه وتصرفه وقلت له في تلك اللحظة ياشيخ أقسم بالله العظيم أن لا أمسك آلة موسيقية من هذه الساعة وبالفعل ذهبت الى البيت "وكسرت" الكمان إضافة لذلك قمت بإحراق مكتبتي وكل كتبي ومؤلفاتي وعدد من المخطوطات النادرة وكان ذلك عام 1404 هجرية. • عاصرت الكثير من الفنانين، حدثني عن ذكرياتك معهم ؟ - الذكريات كثيرة وجميلة فطلال مداح" رحمه الله" لم يكن صديقاً فقط ولكن كان أخاً بمعنى الكلمة وكنا لا نتفارق ، أيضا الأستاذ الفنان عبدالله محمد"رحمه الله" أيضا كنا لانتفارق وهو الملحن الموهوب ولا أحسب قبله ولا بعده في الحجاز ولا ما حوله يبلغ درجته في التلحين بالرغم أنه ما كان يعزف على أي آلة موسيقية وإنما على الإيقاع فقط ولحن أغنية (أبكي على ما جرى لي يا هلي)وهي لا تتعدى "مازورتين"لكنها اشتهرت شهرة لا تدانيها شهرة حتى أنه في إحدى حفلات الصيف بعد أن وحدت"الحارات"في حفل واحد قال مذيع الحفل (جلالة الملك يطلب أغنية أبكي على ما جرى لي يا هلي)فصفق الناس بحرارة ، و في تلك الحفلة برز اثنان اختلف طارق ومطلق الذيابي"رحمه الله" على أغنية (تعلق قلبي طفلة عربية )وهي التي قيل أنها من قصائد امرؤ القيس وأنا أقف هنا مع عميد الأدب العربي "طه حسين "في الأدب الجاهلي المهم اختلف طارق ومطلق كل يدعي وصلا بليلى، كل منهما يدعي أنه ملحنها، واستشهد مطلق بالفنان المصري"محسن سرحان" وشهد محسن أنه سمعها من مطلق في الأردن. أما بالنسبة للفنان محمد عبده فقد التقيته خلال جلسة عندما أحضره الأخ احمد نبراوي والذي لا أعلم هل هو على قيد الحياة أم لا، وما أرجو فهو الشاهد الوحيد الذي بقي معي، قال: والله يا جماعة في ولد طالع يغني وصوته حلو إيش رأيكم أروح أجيبه؟ قال الكثير روح يا احمد يمكن يجي من وراك فايدة، عاد أحمد ومعه فتى يافع نحيل الجسم يميل الى السمرة يرتدي ثوبا جملي اللون عندما دخل وشاهد الجمع (خاف). وقليلا قليلا هدأت نفسه و سأله العم محمد علي سندي: إيش تبغه تغني يا واد، قال بصوت خفيض (ابكي على ما جرالي ياهلي) غناها و صاحبته على الكمان فصمت الحضور و أصغوا فقد كان شجي الصوت و لكن بدى عليه عدم الارتياح و انتهى من الأغنية وقال (أبغه أروح) قام أحمد نبراوي بإيصاله الى حيث أراد و الكل معجب به،وعندما عاد الأخ أحمد سألناه عن اسمه قال محمد عبده. عبدالرحمن اللهبي تلاحقت الأيام لأقابل محمد عبده مع مجموعة من الشباب يجلسون خارج باب قسم الموسيقى في الإذاعة على دكة خشبية يطلبونهم عند تسجيل أغنية ليقوموا بأداء الكورس وكنت أظن أنه كان يدفع لكل منهم 20 ريالا على الأغنية، وكان هو مميزاً و كان عبده مزيد يميل إليه حيث كلاهما من جازان. • كتبت عن الطرب الحجازي ولازال هذا الكتاب في بيتك ؟ - بحكم أني نشأت في هذه البيئة ودرست العزف على الكمان ودرستها على يد الأستاذ أحمد سليمان شقيق الأستاذ محمد على سليمان والد الفنانة أنغام حيث كان قائد الفرقة الوترية في موسيقى الجيش السعودي و جاد علي الزمن بالتعرف على كثير من كبار فناني مصر و الشام واليمن وكنت أمارس العزف هواية لا عمل ،ووجدت أن من واجبي إثبات أسماء الفنانين في الحجاز طوال السنوات التي طمر فيها الفن فقد قمت بتأليف كتاب أسميته رجال الطرب الحجازي في الثمانين عاما الأخيرة أثبت فيه كل الأسماء، وكمثال على سلب اسم الطرب الحجازي وتحويله الى خليجي أذكر أن الصديق بليغ حمدي أخذ مازورتين من التراث الحجازي" عشقته و لا لي في المقادير حيلة" ووضعها مقدمة لأغنية للسيدة أم كلثوم "رحمهم الله" و هي (الحب كله) وقال في تصريح له أنها من التراث الخليجي مما أصابني بصدمة كبيرة فكتبت له أعاتبه ثم اتصلت به و أنا غضب فرد كعادته (ماشي حالك يابني) فقلت (لأ.. مش حمشي) فضحك.