لنكن صرحاء، نمتلك الشجاعة الكافية للمكاشفة والمصارحة ووضع الحروف تحت النقاط ، ونشخّص هذا المجتمع بكل تناقضاته، وكل أوجاعه وداءاته، وثقافته التي تسربل محاولاته في السير نحو صناعة المستقبلات، وصياغة الرؤى، وإيجاد موقع له في العملية الإنتاجية، والتنويرية، والفكرية والدخول إلى أندية الشعوب المؤثرة والفاعلة في المعرفة الإنسانية. مجتمعنا، ولا نتجنى، ولا نبالغ ، يعيش حالة متناقضات حادة وشرسة في الأداء، والأفكار، والتطلعات، والمفاهيم، والسلوك بحيث نستطيع القول بأن الزيف، والخداع، والكذب على الذات وعلى الناس أصبحت سمة من سمات سلوكه وفعله ، وممارسة تكاد أن تكون في حكم العادي الذي لا يثير حياء، ولا يستدعي مراجعة للنفس. لدينا مسافات حضارية فلكية في أبعادها بين ما هو ثقافة اجتماعية، وسلوك جمعي، وفعل تفاصيل حياة إنسان ، وبين ما نشهده من قفزات حضارية علمية وتنويرية كجامعة الملك عبدالله في ثول ، وإنجازاتنا الطبية في بعض مستشفياتنا، وما هو متواجد في رؤية وطموح القيادة. مسافات محزنة كثيراً بين سؤال في الإذاعة سمعته يقول «أجّرت منزلي على شخص وقام بتركيب «دش» صحن لاقط. هل عليّ إثم في ذلك، وهل أستطيع فسخ العقد..؟؟!» ، وبين ما ترمز إليه جامعة الملك عبدالله بكل تجليات المعرفة والعلم والتحديث وخدمة العالم والإنسانية. هذا المجتمع يحتاج إلى صدمة علاجية توقظه من نومه العميق، وتعرّفه بأنه وارث أمجاد، ووعي، وفكر، وكلمة، وإبداع، ومنجز علمي منذ عصور وأن ما يمارسه الآن من ثقافة سطحية استهلاكية هو تعطيل كامل للعقل، وشلل للتفكير، وانحدار نحو الكهوف، والحفر ، وإلغاء للفهم الذي هو صفة الإنسان السويّ والمواطن الذي يؤمن بفاعليته في التحديث، وتكريس فعل النمو والتنمية، وأخذ الوطن إلى مستويات حضارية مبهرة من خلال مضامين وأفكار رؤيوية متقدمة ومعقلنة. إن المجتمع - الآن - بمفاهيمه ووقوفه أمام ثقافة شمولية واحدة يلغي كل المفاهيم والتطلعات والآراء الأخرى، وتحاربها، بل وتصادر حق أي كائن في الاستشراف، والاستنتاج، والقياس، والاجتهاد. وهو أمر يعيق كل تطلعاتنا في صنع واقع حقيقي من التطور.