رغم أننا أخذنا منه كل شيء ، نفضنا كل جيوبه ، حتى معناه ، بل حتى بسمته التي كان يخبئها للأطفال كسرنا أسنانه ، حولناها إلى أطلال ضحكة غابرة ، موّهنا ملابسه ، ومزقنا دفاتر ذكرياته كما نمزق ورقة التقويم التي تعلن حضوره ، إلى أن جعلناه كسائر الأيام لا يختلف عنها إلا في اسمه الذي لا زال يحتفظ به . إنه العيد .. الذي لا يزال يسقط في وعاء توقيتنا السنوي ، كما يسقط الوليد بعد أن يحمله العام الهجري جنينا ليلده بعد اكتمال الحمل بعد الشهر التاسع كأي جنين طبيعي ، لم نقطع عنه حبل السرّة .. لكننا كما يبدو استكثرنا هذه الولادة ، كما لو أنها جاءت في غير وقتها ، فلم نعد نفرح بالوليد . ملأنا المسافة من المتنبي في كهف التاريخ ، وحتى أحمد مطر ومظفر النواب بالنواح على هذا الوليد الذي ما عاد يجد من يلفّ له القماط ، ويهزه بفرح عذب يوازي حجم قدومه ، ما عاد يجد من يفرّق بينه وبين توائمه ال ( 354) ، أو يخصه ببسمة صافية . كثيرون كتبوا ويكتبون ، يطلبون منا بنية صادقة أن نستردّه ، غير أن كل تلك الكتابات والمواعظ ، ما زادت على أن تعاملت مع الموقف ، كما يتعامل أيّ كتالوج مع آلته ، وكأنهم يقولون لنا : ضع العيد في مقبس الطاقة الروحية ، خذ نفسا عميقا ، اضغط على الزر الأيسر وامسح من ذاكرتك كل حمولتها من الآلام والهموم والأقساط والفواتير ، ثم اضغط على الزر الأخضر وأشعل ابتسامة العيد ، فتش عن كل جبين أضمرتَ في قلبك له المقت ذات يوم ، واطبع عليه قبلة بحجم أقرب جبل تراه ، ابتسم للجدران وللحروب وللدماء وللفقر ، نظف أسنانك بالفرشاة ثم ضع رأسك على الوسادة ونم ! . احذر العرضة فهي رقصة حرب ، جرّب أن تبتسم وإن لم تجد ما تبتسم له .. يكفي أن تتذكر أنك في العيد وحسب ! . هكذا بكل بساطة ! . ومع هذا ، ورغم هذا ، فلا يزال العيد قادرا على إيهامنا على الأقل أنه سيأتي هذه المرّة كل مرّة بشكل مختلف ، كما لو أنه قد تحوّل إلى ( بيضة كيندر ) التي يعشقها الأطفال ليس حبا بالضرورة بغلاف الشوكولاتة الذي يُحيط بها ، وإنما بدافع الفضول لشكل اللعبة التي بداخلها ، مع علمهم المسبق أنها لن تُقدّم لهم ( روبوتا ) خرافيا يضاهي مصباح علاء الدين ، ولن تظفر منهم بأكثر من فرحة عابرة لا تتعدى زمن فتح البيضة ومواجهة الواقع الذي يُعيد نفسه ويُعيد نفسه ويُعيد نفسه . عيد سعيد إن شاء الله .. وكل عام وأنتم بخير .