أنى للنفوس أن تهدأ وقد وصل الإرهابي إلى عراب مكافحة الإرهاب. وأنى لها أن تهدأ وخبر المحاولة الفاشلة لاغتيال الأمير محمد بن نايف لا زال يملأ المكان الواسع. ونحمد الله أن سلّم، وباء المفجر بذنبه ومن وراءه بالويل والخسارة في الدنيا والآخرة. ويحسن بنا أن نبتعد قليلاً عن العاطفة ونتناول هذه المأساة، التي لا يجيزها دين أو عقل، ونعيد التفكير في هذا الإرهاب الذي طال البلاد والعباد، وكلما قلنا إنه انتهى أو كاد إذا به يعود بوجهه الخبيث. لقد لاحظت أن أكثر من تناول قصة تفجير الإرهابي نفسه في منزل الأمير محمد يركز في كتاباته أو تحليلاته على أمرين هما: الخطاب الدعوي والوعظي مثل حرمة المكان والزمان، والغدر بالأمان. والثاني يقول حادثة التفجير تغيير في استراتيجية القاعدة. على أنني لا أميل إلى كل هذا، لأن أصحاب الفكر المتطرف لا يقيمون أهمية لكل هذا الكلام الصحيح في معناه، وهو صحيح لا يتناسب مع مجمل أدبيات القاعدة وشعارات الإرهاب المعلن عنها والمخفي. السنوات التي عشناها مع هذه الظاهرة كفيلة أن تجعلنا نعيد التفكير مرة وأخرى من أجل الوصول إلى قاعدة صلبة في التعامل مع سرطان الإرهاب. بداية لابد من القبول بحقيقة مرة وهي أن الإرهاب يكاد يكون مستوطناً ومتجذراً في هذه البلاد، التي لا اعرف بلداً مثلها في العالم يطبق الشريعة الإسلامية في كل مناحي حياته. لهذا لابد من معرفة الأسباب التي أدت إلى قبول شبابها فكر الإرهاب مع كون البلاد تطبق الشرع الإسلامي. جملة الأسباب كثيرة. على أننا يجب أن نعترف أن هذا الإرهاب انطلق من مفهوم ديني. ونحن لا لن نتوقف عند هذا المفهوم في هذا الحديث، لأنه اشبع نقاشاً من قبل هيئة كبار العلماء والمختصين وكتاب الرأي. ولكن يحسن أن نتوقف عند جملة مسائل مرتبطة بهذا المفهوم من مثل: التشدد، والتطرف وكراهية الآخر وعدم قبوله وغيرها. وكلها مسائل أدت وتؤدي إلى قبول الإرهاب من قبل شباب هذه البلاد حرسها الله. يجب أن نكون صادقين مخلصين لديننا وبلدنا ونقول بكل أمانة إن سبب الإرهاب هو ما سلف، دون مواربة أو محاولة إلقاء تبعة الإرهاب على مسائل من قبل الاحتباس السياسي أو الفقر أو الجهل أو البطالة. ومما يلتصق بهذه المسائل ما عليه بعض مفردات مقررات التعليم العام، خصوصاً في مرحلة الدراسة الابتدائية. ويمكن السيطرة على تلك المفردات لو أحسن التعامل معها من قبل بعض المدرسين والمعلمين الذين يذهبون في تناولها وتأويلها على غير ما تقتضيه مصلحة الطالب في هذه السن الغضة. ومما يلتصق بهذه المسائل ما يقوم به رجال نحسن الظن بهم تصدوا للإفتاء، والدعوة وإمامة الصلاة، وترقي المنابر في يوم الجمع، والتصدر للدرس والدعوة في المساجد أو الجمعيات ذات العمل الديني أو الخيري أو الدعوي. وكل هذه المسائل قد نوقشت، ولكن لا زال الأمر يحتاج إلى كثير من الصراحة والشفافية. لدينا أدبيات دينية تراكمية كثيرة، هذه الأدبيات تحتاج إلى نظرة وغربلة من قبل هيئة كبار العلماء ورجال العلم الديني الصحيح. تلك الأدبيات تشجع على اختيار رأي أو جملة آراء دينية وطرح غيرها، وربطها بما يسمى بالإسلام السياسي والصراع السياسي مع القوى الكبرى. ومما يلتصق بهذه المسائل إعادة النظر في برامج مكافحة الإرهاب خصوصاً بعض ما عليه برامج المناصحة أو إعادة تأهيل الإرهابيين والمتطرفين. فكم من عائد وبعد أن حصل على الأمان، وبعد أن خضع لبرنامج المناصحة ارتد على عقبيه. لهذا يصح أن نقول إن وضع العصا في موضع السيف مضر، ويرسل رسائل خاطئة. ما كان يحسن التساهل مع فئة باعت نفسها للشيطان، واستقبالها بسهولة ويسر، هم ينظرون إلى كل هذا كمكافأة، واقل ما يدور بخلدهم أنهم عملوا ما عملوا من باب الاجتهاد الذي لا يخرج من الملة، مع أن عملهم، وقد ولغوا في دماء المسلمين وغير المسلمين، لا يعطيهم هذه الدرجة أو الفهم. ومما هو لصيق بهذا مكاشفة الناس بحقيقة هؤلاء كاملة، وعدم تبني حجم المعلومات بحجة التأني أو استكمال التحقيق وجمع المعلومات، الأمر جد خطير، وصول بعضهم إلى مراكز عليا واستهداف شخصيات عليا يهدد الأمن الوطني برمته. ويعطي رسائل خطيرة لأهل الأهواء والتطرف والتشدد ومن وراءهم من أهل القاعدة كفانا الله شرهم وبأسهم. لابد من قبول حكمة قديمة تقول: إن حسن النوايا لا يؤدي بالضرورة إلى حسن النتائج أو حسن العمل. فكم أحسنا الظن فيمن يجد المبررات والأعذار للمتطرفين والمتشددين، وكانت النتيجة على غير ما توهمنا. ومما يجب معرفته عدم تصديق دعاوى القوم وحججهم الدينية وشعاراتهم الدينية. ولا يحسن محاججتهم بالدين أو بالقرآن، لأن من نحاججهم ليسوا هم قادة الفكر الضال، ولا هم في مستوى المحاججة، هم أدوات تنفذ خططا جهنمية تصدر إليهم. وبالتالي قد نضيع الوقت في إقناع قوم بشروحات دينية، ويردون علينا بشروحات دينية أخرى. نحن لسنا في صدد دراسة هذا الدين. نحن أمام فئات اختارت الموت على الحياة وقررت مع سابق الإصرار أخذنا معهم. لابد أن نعترف أن قادة القاعدة ومن يدور في فلكهم من جماعات سياسية رفعت الدين دثارا، لديهم أجندة سياسية يسعون ما وسعهم السعي إلى تنفيذها، والقفز على السلطة في أي بلد إسلامي، وقلب الأنظمة القائمة. صحيح أن هؤلاء الشباب المغرر بهم قد لا يعرفون هذه الحقيقة، لكن هذا لا يعفيهم أو يبرر عملهم الإجرامي. لابد من وقفة فكرية حازمة تشبه الوقفة الأمنية الناجحة، لا تقيل العاثر، ولا تقبل المسيء، ولا تجد عذراً للمتطرف أو المتشدد. دعونا نعود إلى ديننا وحياتنا قبل أن نعرف هذه الحياة المليئة بالأشواك. دعونا نتصالح مع أنفسنا ومع غيرنا في هذه الدنيا الواسعة، التي لم يخلقها الله لنا وحدنا. دعونا نفتح كل الأبواب والنوافذ لنور الشمس لتسطع علينا وتنير دروبنا، لنعرف أين مكمن الخطر. وكل رمضان وهذه البلاد وقادتها وشعبها بأمان وسلام. وتحية صادقة، ومباركة عظيمة ودعاء واسع أن يحفظ الأمير محمد بن نايف. الذي يقف شامخاً في وجه التطرف والتشدد والإرهاب.