على خلاف ما كتبه بيل أموت Bill Emmott في صحيفة التايم البريطانية بتاريخ 20 أغسطس والذي تهجم فيه على منظمة الأوبك متهماً إياها بالجشع، فإن ارتفاع أسعار النفط في أغسطس إلى ما فوق ال 70 دولاراً لم يكن أمرا مدبراًً ولا إجراء متعمدا من قبل منظمة البلدان المصدرة للنفط. ومن قراءة تعليقات بعض قراء مقاله، على النسخة الالكترونية للصحيفة، يلاحظ مدى السخرية التي تعرضت لها استنتاجاته من قبل بعضهم. وعلى عادة من يضعون العربة أمام الحصان فإن بيل يرى أن ارتفاع أسعار النفط مرده، ليس التوقعات بنضوب الذهب الأسود ولا قرب بلوغ احتياطات النفط العالمية المكتشفة الذروة، وإنما طمع البلدان المصدرة للنفط وعدم سماحها بتدفق رؤوس الأموال الأجنبية لاكتشاف أبار وحقول جديدة. وهو بهذا ينسى، أو بالاصح يتناسى، أن تقلص الاستثمارات في قطاع النفط عائد بالدرجة الأولى ليس لتملك أعضاء الأوبك لرؤوس أموال شركاتهم الوطنية المنتجة للنفط، بل لانخفاض أسعار النفط بعد الأزمة المالية الاقتصادية العالمية. ولكن المحرر السابق بمجلة the Economist، يواصل نهجه السابق بتضليل قرائه من خلال منبر إعلامي آخر هو صحيفة التايم. ولكن إذا تركنا تفاهات بيل جانباً ونظراً إلى الواقع فإننا نرى أن أرتفاع أسعار النفط قد جاءت جراء عدة عوامل لعل أهمها: 1- تصريحات المسؤولين في البلدان الصناعية بأن الأزمة الاقتصادية قد وصلت إلى أوجها. مما يعني ضمناً أن المرحلة القادمة سوف تشهد نمواً تدريجياً لاقتصاديات تلك البلدان. ونمو الاقتصاد العالمي من شأنه أن يزيد الطلب على الطاقة. 2- زيادة استهلاك الطاقة في الصين والهند بشكل غير متوقع. ففي شهر يونيو الماضي وصلت واردات الصين من النفط الخام إلى 4.09 ملايين برميل في اليوم. أي بمعدل زيادة نسبتها 14% عن نفس الفترة من العام الماضي. أما الهند فإن وارداتها من النفط الخام في يونيو الماضي قد ارتفعت عن معدلها عام مضى بما مقداره 127 ألف برميل في اليوم. 3- التحفيز على صنع منتجات أقل استهلاكا للطاقة من الموجودة حالياً. وخصوصاً السيارات والطائرات. حيث نلاحظ في هذا المجال أن الشركة الوريثة لشركة جنرال موتور المفلسة قد أنتجت مؤخراً سيارة جديدةChevrolet Volt. فهذه السيارة المهجنة يتفاخرون بها باعتبارها صفعة للبلدان المصدرة للنفط. إذ إنها تستهلك جالونا واحدا من البنزين لمسافة 230 ميلا. وهذه طفرة في التوجه الحثيث نحو تقليص الاعتماد على النفط. فمعدل استهلاك السيارات الموجودة حالياً هو جالون واحد لكل 25 ميلا. 4- الترويج بقرب نضوب النفط لخلق الأجواء المناسبة لرفع أسعاره. وذلك لتشجيع رؤوس الأموال على التدفق على مصادر الطاقة البديلة. 5- دعم ومساندة الجهود الحكومية في الولاياتالمتحدة وأوروبا للحد من استهلاك الطاقة الاحفورية وتقليل اعتمادهم على نفط الشرق الأوسط وروسيا. فارتفاع أسعار النفط يخلق الظروف المناسبة لتطبيق العديد من الإجراءات الحكومية مثل قانون استقلال وأمن إمدادات الطاقة في الولاياتالمتحدة. والذي ينص ضمن ما ينص على ضرورة توريد 36 مليار جالون من الوقود البديل بحلول عام 2022 كحد أدنى. كذلك فإن الاتحاد الأوروبي، بذريعة الحفاظ على المناخ، قد سن في الفترة الأخيرة جملة من القوانين التي من شأنها الحد من انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 20% بحلول عام 2020. وهكذا فإن إقحام البلدان المصدرة للنفط أعضاء الأوبك واتهامهم بالتسبب في ارتفاع أسعار النفط هو في أقل الأحوال مجافٍ للواقع. فنكران جميل الأوبك على البلدان الصناعية أمر مغاير حتى للمنطق البسيط. فهذه البلدان قد عملت منذ تأسيس المنظمة عام 1962 وحتى الآن، على استقرار أسعار النفط من ناحية وإمداد السوق بما تحتاجه لدوران دولاب الاقتصاد في البلدان الصناعية من ناحية ثانية. ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هنا من هو ضحية من: البلدان الصناعية ضحية لجشع الأوبك أم أن الضحية هو النفط الذي تسعى تلك البلدان للتحول نحو مصدر آخر بديل عنه؟