بتكليف من خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، ينعقد في جدة في 22من الشهر الجاري، اجتماع للدول المنتجة والمستهلكة للنفط لمناقشة ارتفاع أسعار النفط. ويعتبر هذا المؤتمر على درجة كبيرة من الأهمية من عدة نواحٍ أهمها: @ الارتفاع غير الطبيعي لأسعار النفط. @ عدم وضوح الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع. @ عدم وجود آلية للتعامل ومعالجة هذه الظاهرة المقلقة. وعلى ما يبدوفإن تحديد الأسباب التي أدت إلى جموح أسعار النفط إلى هذه المستويات المرتفعة يعتبر أهم النقاط التي من المتوقع أن يعالجها هذا المؤتمر. لأن الإجابة عن الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع القياسي سوف تحدد آلية معالجة ما تشهده أسواق النفط من تشوه. ونحن هنا لا نحتاج إلى كثير من الجهد لتحديد محاور النقاش حول هذه النقطة. فأمامنا وجهة نظر الدول المصدرة للنفط، وعلى رأسها بلدان الأوبك، التي ترى أن الانحرافات في أسواق النفط لا علاقة لها بالعرض والطلب الفعلي. وذلك على العكس من وجهة النظر التي تطرح على نطاق واسع في البلدان المستهلكة والتي تعزي ارتفاع أسعار النفط لعدم كفاية العرض. وهكذا فنحن أمام فريقين متناقضين في طرحهما. الفريق الأول يضم مصدري النفط الذين يرون أنهم ينتجون أكثر مما تحتاجه السوق الحقيقية وأن انتاجهم يكاد يلامس سقف إمكانيتهم. بالمقابل تلح البلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا على ضرورة زيادة الصادرات النفطية لتلبية الطلب المتزايد على النفط في السوق العالمية. فما هي حقيقة ما يجري في السوق النفطية؟ ان الإحصائيات تشير إلى ان معدل نمو الطلب العالمي على النفط قد انخفض من 3.6مليون برميل في اليوم عام 2004مقارنة بعام 2003إلى 0.7مليون برميل عام 2007مقارنة بعام 2006.أما هذا العام فإن التوقعات الأولية ترجح انخفاض أكثر لمعدل نمو الطلب العالمي على النفط وذلك نتيجة لترشيد استهلاك الوقود. إذ حتى في الصين، التي يروج على نطاق واسع إلى أن ارتفاع استهلاكها للنفط كان العامل الأساسي في ارتفاع أسعار النفط، فان معدل نمو استهلاكها للنفط، ليس فقط، لم يرتفع وإنما أنخفض. ففي عام 2004استهلك هذا البلد 0.9مليون برميل في اليوم أكثر مقارنة بعام 2003.أما في العام الماضي 2007فإن معدل نمو استهلاكها لم يتجاوز 0.3مليون برميل مقارنة مع عام 2006.ولذلك فليس مستغرباً أن لا يلاحظ مصدرو النفط نموا يذكر على نفطهم من قبل المستهلكين الحقيقيين. فهؤلاء الأخيرين في الواقع يحصلون على ما يكفيهم من النفط وربما أكثر. إذاً فأين الحلقة المفقودة أو اليد الخفية التي تصنع الفجوة التسوقية وتساهم في زيادة الطلب على العرض في السوق النفطية. ان البحث عن الحلقة المفقودة، في هذه اللعبة، يقودنا إلى المضاربين الجشعين الذين يشترون كميات ضخمة من النفط عبر الصفقات الورقية الآجلة. فهذه الصفقات التي يبلغ حجمها أضعاف حجم الصفقات الفعلية لا علاقة لها بطلب المستهلكين الحقيقيين ولا بالعرض والطلب الفعلي على الطاقة. فسوق الصفقات الورقية الوهمية الآجلة سوق مستقلة بحد ذاتها يشتري اللاعبون فيها "البراميل الورقية" من أجل بيعها بعد عدة دقائق ليس للمستهلكين وإنما لباعة آخرين جدد، يترزقون الله، في مسلسل لا يعرف التوقف وذلك على النحو الذي نشهده في أسواق الأسهم- أو بالأصح على النحو الذي شهدته سوق العقار مؤخراً في أمريكا وسوق المناخ في الكويت عام 1982بعد تراكم عقود البيع المستقبلية غير الرسمية إلى نحو 29ألف شيك مؤجلة غير قابلة للدفع، وبقيمة إجمالية تقدر بنحو 94مليار دولار أمريكي مسحوبة لأمر نحو ستة آلاف مستثمر كويتي. أو أشبه بسوق المضاربة على سندات زنابق الورود في هولندة في الثلاثينات من القرن السابع عشر. ففي خلال هذه الأربعة قرون الماضية كانت أدوات المضاربين هي نفسها- تداول السندات الورقية الوهمية بدلاً من الأصول الحقيقة. وفي كل مرة كان المضاربون يعثرون، كما ذكر المستثمر المالي العالمي جورج سوروس، على نموذج ومعادلة جديدة للعبتهم (The New Paradigm). ولذلك نراهم حالياً يستغلون عدم مرونة الطلب على الطاقة في ترويج الكثير من الأخبار والشائعات، التي تساعدهم على تحقيق مآربهم، مثل انخفاض سعر صرف الدولار، وقرب نضوب النفط وغيرها. فبفضل هذه الألاعيب الحاذقة تمكن تجار الصفقات الورقية النفطية الوهمية الآجلة من رفع حجم التداول في سوقهم والنفخ فيها حتى وصلت إلى ما يقارب 140مليار دولار يومياً- أي ما يعادل 5أضعاف حجم التداول في سوق النفط الحقيقية. ولذلك فإذا كانت نية المستهلكين للنفط صادقة مثل نية المصدرين له فإن الأمر يتطلب سن قوانين عالمية أكثر صرامة للتعامل مع المضاربين الجشعين في الأسواق العالمية. وذلك من أجل وضع حد للتلاعب بأسواق السلع الحيوية الهامة للاقتصاد العالمي والاستهلاك البشري مثل النفط والمواد الخام والطعام وغيرها.