لننظر للمحاولة الآثمة الفاشلة والمرتدة التي حدثت مساء يوم الخميس السادس من رمضان 1430ه لاغتيال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية من زاوية أخرى. بداية نحمد الله عز وجل أن منّ على حارس الأمن الأمين (محمد بن نايف) بالحفظ، والنجاة من الكيد ونهنىء أنفسنا بسلامة سموه. والقصة لم تنته بعد، ولن تنتهي بين عشية وضحاها فمسلسل البغي والعدوان والظلم على بلادنا وقيادتنا مستمر باستمرار النهج الذي تنتهجه، فمن الطبيعي في مسلمات الكون وسنن الحياة أن يكون لمعادلة الخير والشر طرفان، طرف كاسب وطرف خاسر، طرف مستفيد وطرف متضرر، طرف ظالم وطرف مظلوم.. فإذا كنت تنتمي إلى طرف فلا تتوقع من الطرف الآخر سوى أن يقف ضدك بكل ما أوتي من حيلة وقوة، ولا تركن إلى فترات الهدوء النسبي، وأحسب حسابك دوماً لما هو قادم. ومع تسليمنا أن حكومة المملكة - ولله الحمد - حكومة خيّرة عادلة تسعى دوماً لتحقيق الأمن والرفاه لمواطنيها، وتساهم مساهمة فعالة في دعم الأمن الدولي والسلام العالمي فإن هذا يعني لنا أن المملكة قيادة وحكومة وشعباً تقف في معسكر الخير والصلاح، والشواهد على ذلك لا حصر لها، ولا ينكر هذه الحقيقة إلا مكابر أو ظالم لنفسه ولغيره.. وبالمقابل فإن من يقف مناوئاً ومعادياً ومجاهراً بالعصيان لا يمكن النظر إليه إلا منتمياً للمعسكر الآخر (معسكر الشر). ولأن الله عز وجل قد حفظ هذه الدولة منذ نشأتها وعلى مدى عقود من الزمن، كانت حبلى بالأحداث الجسام ومكتظة بالمنعطفات الخطرة فإننا ننظر إلى تلك الرعاية الإلهية من زاوية موضوعية ومنطقية مؤداها أن الله يحفظ من يحفظه، ويكلأ بالعناية من يعضّد شريعته السمحاء، ويقيم موازين العدالة الحقة في أرضه وبين خلقه، وهذه حقيقة يسّلم بها المنصفون، ويعرفها حق المعرفة المجحفون وإن أنكروا. إن التسامح والرأفة وإصلاح الأمر والصبر والروية ليست صفات خاصة (لمحمد بن نايف) ولا بدعة ابتدعها، ولكنها نهج لقادة، وسياسة الدولة، وطبيعة لأمة.. فتاريخ المملكة المجيد مليء بروايات التسامح وقصص الرأفة وشواهد الإصلاح منذ أن أسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن (طيب الله ثراه) المملكة، وكانت اقواله وأفعاله وردود فعله مزيجا منتظما معتدلا بين الحزم والحسم والسماحة والعفو، وكان - طيب الله ثراه - بصيراً بعون الله في استخدام كل ميزة في مقامها المناسب، وبهذا فقد وضع الأساس، وبنى القاعدة، وسّن الطريق التي سار عليها أبناؤه من بعده.. من هذا المنطلق فلا غرابة أن يسير (محمد بن نايف) الحفيد على نهج المؤسس حتى مع ألدّ الخصوم للحق وأضلهم. إن الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة ممثلة في (وزارة الداخلية) لمواجهة الفئة الضالة أتت ترجمة دقيقة للنهج الإصلاحي العريق للدولة والجديد فيها هو أنها رسمت بأسلوب مدروس وموضوعي وبطريقة أكثر دقة وبهذا فقد تمكنت وزارة الداخلية من خلال هذه الاستراتيجية من استكشاف تلك الفئة والوقوف على دوافعها والتوصل إلى من يدعمها أو يوظفها وتمكنت بنجاحات غير مسبوقة دولياً من تعريتها ومحاصرتها أينما كانت.. وفي ذات الوقت تمكنت من الفصل بين الضال العامد المصرّ على العدوان وبين الضال المغرّر به أو ناقص المعرفة وحديث التجربة فأظهرت للأول قوة الحق التي قضت عليه وأركسته وحسرته عن التقدم في معركة لم تكن سهلة بالمعايير الدولية، ولكن الله أعان على كسبها فله الحمد والمنة، ومدّت للثاني يداً من العفو والحنان المسؤول وإعادته لحظيرة المجتمع محصناً مرفوقاً به والشواهد على ذلك كثيرة والأعداد كبيرة، ولا اعتبار للحالات الشاذة. لم تكن هذه الاستراتيجية لتنجح لولا تضافر عدة عناصر مهمة ضمنت لها بتوفيق الله النجاح: العنصر الأول: حكمة ولي الأمر وتوخيه للعدالة ووعي قيادة الدولة. العنصر الثاني: حنكة القيادة الأمنية المتمثلة في سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وخبرته المكثفة والطويلة. العنصر الثالث: الوعي الفكري، والمهارة المهنية العالية للأمير محمد بن نايف المهندس الذي وقف وراء كل النجاحات والإنجازات التي حققها الجهاز الأمني في مواجهة تلك الحرب الشعواء ضد بلادنا. وذلك الرجل الذي سّخر نفسه ووقته لخدمة بلاده والذود عنها بقيادة ماهرة بعيداً عن الضجيج الإعلامي وبصمت القادة الناجحين الذين تسبق أفعالهم أقوالهم. العنصر الرابع: القناعة التامة لدى رجال الأمن الأوفياء على اختلاف مراتبهم ومواقعهم برسالتهم، وإخلاصهم لقيادتهم وولائهم لدولتهم وحرصهم على أمن وسلامة وطنهم وشعبهم وبني جلدتهم. العنصر الخامس: وعي المواطن بحقيقة الفئة الضالة، وتفهمه لجهود الدولة وبالتالي دعمه العملي والمعنوي لها ورفضه التام لكل محاولات التشكيك والطعن في موقف الدولة. من هذا نستخلص أن مجريات أحداث المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية قد نمت لتظهر بجلاء حقيقة طرفي المعادلة ولينجي الله طرف الخير ويقضي على طرف الشر بيده فسبحان الله البصير بعباده. ولكن، وبرغم المروءة الظاهرة في تصرف الأمير وتقبله لذلك الضال وإكرامه له في بيته بأخلاق عربية إسلامية إلا أننا نطالبه كما طالبه خادم الحرمين الشريفين (أيده الله) بأن لا يركن إلى الثقة المطلقة كما فعل ليلة الحادث. فحياة الأمير محمد لم تعد تخصه هو، وإنما أصبحت تعني الكثير لوطن ولشعب ولدولة لذلك نقول له إن حياتك غالية من أجلنا فاعقل وتوكل.. والله هو الحافظ الراعي. * الوزير المفوض بوزارة الخارجية