يخطئ بعض منا في مفهومه للعبادة ، ويبالغ بعضنا في جزء منها على حساب آخر . وينسى آخرون أن العمل بحد ذاته عبادة إذا ما أخلص فيه المسلم واحتسب الأجر لله. وفي شهر رمضان المبارك تظهر هذه المفارقات جلية بما فيها من تناقضات غير مبررة، على حساب المصالح العامة ومصالح الناس. في إحدى الدوائر الحكومية وتحديدا في قسمها النسائي الذي تقصده المراجعات لإتمام مصالحهن ويقتطعن من وقتهن أكبره على أمل أن يقضين حاجاتهن ولا يضطررن للمراجعة مرة أخرى ترى العجب. ترى موظفات على مكاتبهن وقد انشغلن عن عملهن بقراءة القرآن وتدبره. وأخريات افترشن سجاجيدهن ولا تدري هل هن نائمات أم مستغرقات في العبادة. وأخريات يتداولن أوراقا بينهن تحسبها في البداية معاملات للمراجعات ولكن ما يلبث أن يخيب أملك بعد أن تسمع منهن همسات عن المقادير وكم ملعقة وكم دقيقة وطريقة التحمير أو الطبخ! فتعرف أنهن انشغلن عن العبادة بالتجهيز لما يطفئ جوع وظمأ هذه العبادة حسيا وليس معنويا، ووقت العمل بذلك ضائع ضائع. هذا المشهد يتكرر في أماكن عدة ودوائر حكومية كثيرة نسائية أو رجالية تستغربه في البداية لكنك تتأقلم معه أو تتقبله على مضض وكأنه مظهر معتاد في رمضان. مثله في ذلك مثل مثلثات السمبوسة ودوائر اللقيمات وشراب التوت. فالإنتاجية في شهر رمضان دائما أقل، حتى ممن يعملون في مكاتب مريحة ومكيفة! ولا تدري بماذا يمكن أن تبرره، هل تبرره بالحر ومشقة الصوم ، أم تبرره بالكسل الذي يسببه الجوع، أم بالأجواء الروحانية المصاحبة والتي تسرق من الصائم تركيزه وهمته ورغبته الصادقة في العمل ليترك العمل وينصرف للعبادة؟ ومع أن عبادة الصوم شرعت لتختبر صدق العبادة وقوة صبر مؤديها واحتماله لمشقة أدائها مع مهامه الأخرى،إلا أن الواقع مختلف في كثير من الأحيان. فهي في نفوس البعض عبء شاق يخفف منه على حساب عمله. أو فريضة يصعب تحملها أو دمجها مع مهام الحياة الأخرى. فلماذا يقصر الصائم في عمله في رمضان ؟ وبماذا يبرر ذلك ،وهو قد أعطي ساعات دوام أقل. ولماذا يصعب أن ترى الابتسامة على وجوه العاملين في رمضان ؟ ولماذا تؤجل المصالح والمعاملات وتؤخر في رمضان؟ ولماذا يفرض البعض منا هذه الأجواء الكسولة على رمضان دون أن نقاومه؟ أو لسنا مجتمعا مسلما يعتز بمبادئه الدينية وبشدة تمسكه بها أو لسنا ندعو أنفسنا وغيرنا للجهاد والصبر والتحمل في سبيل الدين. فلماذا لا نجاهد أنفسنا ونتحمل مشقة الصوم بصبر ونعمل بإخلاص فنتم مصالح عباد الله في أوقاتها ونحن نبتسم.