الذي اتيح له معايشة سوق القيصرية بمدينة المبرز من الجيل الماضي أو من هذا الجيل لاشك انه سوف يتذكر ما كانت عليه هذه السوق الشهيرة. مداخل عديدة تؤدي الى قيصرية المبرز، سوقها الوحيد والكبير الذي يبدو من الخارج قليل المساحة، ولكن اذا دخل اليه المتسوق تاه بين محلاته العديدة وبضائعه الكثيرة، الى حد أنه لا يستطيع أن يأتي على مشاهدة كل محلاته حتى ولو بالنظر من خلال الواجهات ذات الابواب الخشبية التي تطاير بعض من ألوانها وتآكلت بعض ألواحها بفعل الزمن وحرارة الطقس والجو، على الرغم من فتحات التهوية العلوية الموجودة بجوار السقف المصنوع من أعمدة الكندل، وجذوع النخيل، والبواري، والمداد. السوق في حالة ازدحام مستمر، فهناك المئات من المتسوقين من ابناء المدينة ومن ابناء البادية الذين يسكنون خارج السور في منطقة الحزم، او بالقرب من عين نجم، او مخيمات محاسن، وهناك من ياتيها من المدن الاخرى رغبة في شراء ما تعرضه محلات هذا السوق من مصنوعات ومنتوجات تقليدية متميزة، كالمشالح والعبي حتى الادوات التقليدية الاخرى التي أبدع في انتاجها وعملها أبناء المبرز او العاملين لديهم فهنا تستطيع أن تجد افضل البنادق والخناجر والسيوف حتى صناعة الذهب والمجوهرات لها حوانيتها ومبدعيها في هذه القيصرية التي تشبه خلية النحل لما فيها من نشاط وحركة تبدا منذ ساعات الصباح الاولى، فأنت تشاهد التجار والباعة والحرفيين والسماسرة والدلالين وحتى رجال الشرطة بملابسهم العسكرية الكاكية وغترهم الخضراء، تشاهدهم قادمون من الجامع الكبير، (جامع الامام فيصل بن تركي)، فيسعون في مناكبها بعد صلاة الفجر، بعضهم يعود الى بيته بعد أن يشتري خبز الصباح من أشهر الخبازين في المدينة، ويعود لبيته ليتناول فطوره وما تيسر له من طعام مع أفراد أسرته، وهناك من يذهب الى مقر عمله في السوق أو غيره، او الى مزرعته. المدينة يحيطها سور كبير كأنه حزام لكنه من الطين والاحجار، مدعم بعدد لا بأس به من القلاع التي تتيح من خلال نوافذ فيها من اعلى لمشاهدة القادمين او المغادرين، اضافة الى فتحات خاصة باطلاق القذائف من خلالها، كانت كما قال له جده يوما، انها استعملت خلال فترات بعيدة في عهد العثمانيين، وتوجد بالسور ثماني بوابات تسمح بالعبور الى داخل المدينة، هي: بوابة الحزم، وبوابة عين نجم، وبوابات المقصب، والمقابل، والقديمات، والشعبة، والحارة، والعتبان، كانت هذه البوابات تقلق بعد صلاة العشاء وتفتح مع صلاة الفجر. يعد السوق ملتقى الجميع فلابد من المرور به لشراء احتياجات البيت اليومية خاصة في وقت لم تكن الكهرباء موجودة في مدينته، مما يضطر الاهالي الى شراء احتياجاتهم الغذائية طازجة من السوق، وهذا المرور اليومي على السوق جعل الجميع على اطلاع كبير وواسع بما يجري في المدينة من أخبار وحوادث، فالجميع يعلمون من توفي اليوم في حارة العتبان، ومن قدم من خارج المدينة من بوابة نجم، ومن هو الذي باع أو اشترى تمرا من سوق القلعة. وفي هذا السوق الشهير يقوم بعض العمال المتخصصين برش الماء في طرقات السوق، حيث يقومون بهذا العمل كل صباح ومساء، خاصة بعد صلاة العصر، يرشون الماء من قربهم التي يحملونها على ظهورهم. هكذا كان حال سوق قيصرية المبرز في الماضي، اما اليوم فباتت اثرا بعد عين على الرغم من تطور المحلات وتحول ابواب حوانيتها من الابواب الخشبية، واسقف السوق المسقوفة بخشب الكندل، والبواري، وسعف النخيل، الى الواح الشينكو، والصاج، وتحولت العديد من فتحات الحوانيت الى فاترينات زجاجية تعرض أحدث وأهم منتجات دول العالم في مختلف المجالات. وخلال جولة الرياض في السوق نحو كانت الساعة تشير الى العاشرة صباحا كانت نسبة 85 في المائة من المحلات مغلقة فأصحابها في العادة لا يفتحونها إلا في الفترة المسائية، اللهم إلا بعض المحلات التي تكاد تعد على اصابع اليد الواحدة، التي يقوم بالعمل فيها عمالة وافدة. وقيصرية المبرز ثاني قيصرية شهيرة في الاحساء تتطلع بحب ورجاء الى كل المسؤولين في امانة الاحساء بعد تحولها الى امانة ويأملون من امينها الشاب المهندس فهد الجبيران يقوم مشكورا باعادة اعمار قيصرية المبرز لتكون شاهدا على تاريخ مضى. ولتشارك بفاعلية في التعريف بحضارة هذه المدينة العريقة لزوار هذه المدينة التي خرجت العديد من عمالقة الاقتصاد في الاحساء، الذين انتقلوا بابداعهم الاقتصادي الى خارج الاحساء الى مدن الشرقيةوالرياض. ان مدينة المبرز وبالذات منطقة السوق المركزية موقع سوق القيصرية بحاجة الي تطوير وهدم وتعمير، فمن غير المعقول ان يظل الوضع البائس لهذا السوق كما هو عليه الان بعد أن كان واجهة اقتصادية للمدينة، وتجمعا تجاريا لها، وفيه كانت تنسج العلائق والصداقات والروابط الاجتماعية، وارادة تنمية الوطن اليوم وخير الوطن اليوم قادرتان على تطوير المنطقة وتحويلها من شكلها المتواضع الى شكل حضاري يتناسب مع عطاء ارض الاحساء وخير الاحساء وشهرة الاحساء، التي باتت عالمية بعد وصولها الى مراكز متقدمة وتاهلها عالميا، فكم هو جميل ان يعاد بناء سوق القيصرية بالمبرز وبنفس الصورة التي كانت عليه في الماضي، وبنفس المواصفات والتصاميم التي كانت معروفة، لتكون ذاكرة للاجيال القادمة، وتاريخ عيش الاجداد وربط الماضي بكل ما فيه من نجاحات واخفقات وانتصارات وهزائم حياتية، ويكون ذلك كله تعليما واعيا بأن الجيل الماضي لم يولد وفي فمه ملعقة من أي معدن، بل صاغ حياته بالكفاح والصبر والصلابة والمواجهة، ولنا في تجربة اعادة سوق القيصرية بالهفوف قدوة وتجربة حسنة، جميل ان نعمل بها. منطقة سوق المبرز لا تتناسب ابدا مع ما وصلت اليه الاحساء وغير الاحساء من تقدم وازدهار، امنية ان تتطور منطقة سوق المبرز القيصرية والساحة المجاورة لجامع الامام فيصل بن تركي لتكون مركزا حضاريا يواكب العصر فهل نفعل؟.