الشعوب الواعية العاقلة هي التي تستفيد من دينامية التاريخ، وتستجيب لتحولات الحياة، وتغيّر المفاهيم، وتبدل أنماط العيش، والفهم، والتناول، والرؤى، والأفكار، وتدخل بتصميم قوي ، إلى حالة صناعة الفكر ، وصياغة التنوير، وتوظيف العقل بعيداً عن أوهام امتلاك الحقائق. فلا أحد يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ، وليس لأحد الحق بأن يكون الوصيّ المهيمن الذي لا يأتي قوله الباطل من بين يديه ومن خلفه. والتاريخ لا يرحم. ولا تقف حركته في انتظار من يتخلف عن سيره ومساراته بل - وأكثر من هذا - فإن من يتخلف في وعيه وفكره ونمط تفكيره عن تحولات ومستجدات العصر سيكون عاجزاً مشلولاً عن تحقيق انتصارات حياتية إن على المستوى الحياتي، وإن على المستوى التعليمي والثقافي والفكري، وإن على مستوى الاقتصاد الذي هو مدماك حياة الأجيال ومستقبلاتهم ، وصناعة مكان لهم تحت الشمس. والتاريخ - أيضاً - وحركة الوعي والتنوير فيه ستزلزل مفاهيم، وأطر حياة وأفكار، صار الإنسان يقتات بلادتها، ومحدوديتها، وقوالبها الهشة الضعيفة، ويترسخ لديه الاعتقاد بأنها ثقافة أزلية. رغم أن حقائق الواقع، وتبدلات الفهم، وتلاقح الثقافات والمفاهيم أثبتت أن شيئاً من هذا لا يقترب من الحقيقة ، وأن أنماطاً وسلوكيات درج عليها منذ زمن هي ثقافة مجتمع له خصائصه الحياتية والمعيشية في زمن مضى، وعهود سلفت وهي قابلة للتبدل والتغيير، وربما النسف - أحياناً -. والسؤال: - أين نقف من هذا الفهم، وهذا التحول، وما مدى استجابتنا لحركة التاريخ المتسارعة بوتيرة مدهشة..؟؟ الإجابة لن تكون بأي حال من الأحوال مطمئنة على مستقبلات أجيالنا، ومسارهم الفكري، والعلمي، ولا يمكن أن تعطي أملاً بأنهم سيكونون يوماً ما من المؤثرين والفاعلين والمسهمين في بناء الحضارة الإنسانية. علينا أن نحررهم من تغييب العقل، وتأطير المفاهيم، وقولبة الوعي، ونفتح الآفاق أمامهم لقراءة واقعهم ومخزونهم من الثقافة الاجتماعية قراءة ناقدة واعية رافضة بعقل، ومستقبلة بفهم. التاريخ لا يتفاعل ويحتضن إلا من لديه القدرة على فهمه، والاستجابة لحركته.