الماسح الضوئي ، والدرل ، وكاشف الحريق ، وجهاز غسيل الكلى، ومنظم ضربات القلب ، وقارئ الأسعار (في السوبرماركت) والمادة المضادة للخدش (التي يطلى بها الزجاج) وجهاز كشف الانقطاع في الكابلات ، والسبائك المرنة (التي تصنع منها النظارات غير القابلة للكسر) ... مجرد أمثلة لابتكارات واختراعات ثانوية ظهرت من رحم البرامج الفضائية ... فالفضاء بطبعه بيئة شاذة ومتطرفة يتطلب اقتحامه حلولا جذرية تختلف عما عهده الانسان على سطح الارض .. كما يتطلب "غزوه" ميزانيات ضخمة وعقولا متفوقة ودعما حكوميا لا يقف عند حد (وهي ظروف استثنائية وهائلة لا تجتمع لكل الدول) !! لهذا السبب أرى شخصيا أن "الرحلات الفضائية" تأتي في المركز ( الثاني ) كأكبر محفز على الإبداع والابتكار في تاريخ البشرية .. فحين انطلقت المركبة أبولو في عام 1969 نحو القمر تساءل البعض عن الحكمة من صرف ملايين الدولارات كي يمشي رجل واحد على سطحه الأجرد (وحتى اليوم مايزال البعض يثير مثل هذه التساؤلات ويرى ان بناء المرافق العامه ومساعدة المعتازين اجدى وأولى) .. غير ان الرحلات الفضائية (بجانب الاعتزاز القومي والتنافس الدولي) حققت مكاسب خفية وثانوية استفاد منها عامة الناس في الجانب المدني والطبي .. فجميع الابتكارات التي ظهرت ضمن هذه البرامج أعيد تصنيعها لاحقا ووجهت لخدمة المستهلك العادي (مثل منظم ضربات القلب والمكملات الغذائية ومنشطات الأنسجة العضلية) .. ومن كل رحلة جديدة تنطلق نحو الفضاء تتساقط مئات الافكار الرائدة التي سرعان ما تترجم لسلع نراها لاحقا في الأسواق (مثل الدرل الذي ابتكر لثقب صخور القمر) .. واليوم يمكن القول ان تكنولوجيا الفضاء وفرت خلال الاربعين عاما الماضيه أكثر من 39 الف سلعة جديدة استفاد منها 250 شركة يبلغ اجمالى مبيعاتها اكثر من 202 الف مليون دولار (وأذكر أنني حضرت معرضا في مدينة هيوستن لسلع تجارية اعتمدت على ابتكارات قدمتها وكالة الفضاء الامريكية / من بينها الأسماء التي استعرضتها في بداية المقال) ! ... ومن جهة أخرى لا ننسى ان التفوق العسكري الامريكي يعود في جزء كبير منه الى توفر تكنولوجيا فضائية فريدة لم تجتمع لغيرها من الدول .. فأقمار التجسس الصناعي، ونظم الملاحة الفضائية، وتوجيه الصواريخ بعيدة المدى هي في الاصل تكنولوجيا فضائية تم تحويرها لضمان التفوق العسكري .. والحقيقة الأخيرة تقودنا للحديث عن المحفز الأول للابداع والابتكار (ألا وهو الحرب) ... نعم ... فالحرب هي من يعمل كمحفز ( أول ) للإبداع والابتكار ووضع حلول جديدة .. فهي تفرض على العقول العمل بأقصى طاقاتها ، وتفجر المواهب بكافة أنواعها ، وتطرح تقنيات وحلولا كانت تحتاج لقرون لتصل لمستواها الحالي .. ومن المفارقات العجيبة ان الحروب التى تبيد البشر وتدمر الممتلكات تعود لاحقا لإنقاذ حياة ملايين الناس من خلال تقنيات طبية وعلاجية فعالة ( كالمضادات الحيوية والمستشفيات المتنقلة وبروتوكولات الطوارئ والتمريض) .. أما الاختراعات والاجهزه التى كانت حكرا على المجهود الحربى فسرعان ماتنزل للاسواق بثمن بخس وتصبح فى متناول المستهلك العادي (كشاشات البلازما وشبكة الانترنت وأجهزة تحديد المواقع وطائرات بوينج التي بنيت في الأصل كقاذفات قنابل)! أيها السادة ؛ ليس منكم من سيسافر مستقبلا للفضاء الخارجي . ولكن في كل مرة ترون فيها صاروخا ينطلق للأعلى كونوا على ثقة بأنه يحمل أفكارا جديدة سترونها لاحقا في الأسواق ... وقد لا ترونها نهائياً في حال سقط فوق رؤوسنا !