لفهم سر السلوك موضع الخلاف للجيش الإسرائيلي في الحملة الأخيرة في غزة ينبغي أن نقرأ مقالة آسا كيشر وعاموس يدلين من العام 5002، "القتل المتعمد والقتل الوقائي". كيشر هو بروفيسور في فلسفة الأخلاق والممارسة في جامعة تل أبيب، ومستشار أكاديمي للجيش الإسرائيلي وواضع مدونته الأخلاقية. اللواء عاموس يدلين هو رئيس شعبة الاستخبارات، وقائد الكليات العسكرية سابقاً. في مقال نشر في "هآرتس" في السادس من فبراير الماضي ادعى عاموس هرئيل بان التعليمات التي بلورها الرجلان هي التي وجهت خطى الجيش الإسرائيلي في الحملة في غزة. "الحجة الهامة والحساسة" للغاية لدى كيشر ويدلين، كما يصفانها، يمكن تلخيصها بالقول بان أمن "جنودنا" مقدم على أمن "مواطنيهم". هذه الحجة مغلوطة وخطيرة وتلغي التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، الذي هو تمييز أساسي لنظرية الحرب العادلة، ولا سيما للسلوك المناسب في الحرب. النقطة المركزية في نظرية الحرب العادلة تتعلق بتحديد قواعد لسلوك الجيش أثناء الحرب وتقييد المدى الشرعي للقتال. الحرب بين الدول يجب أن لا تكون حرباً شاملة بين الأمم والشعوب ولا حرب إبادة. عليها أن تكون محصورة بالقوات المقاتلة فقط. والأمر صحيح أيضاً حين لا يكون الطرف الآخر دولة، ولكنه يؤدي دوره كهيئة سياسية شبه دولة مثلما في حالتي حماس وحزب الله. والأمر صحيح أيضاً إذا كانت هذه الهيئات تتخذ أساليب الإرهاب. المدنيون هم مدنيون حتى وان كانوا تحت حكم "إرهاب". الوسيلة الحاسمة لتقييد مدى القتال هي تحديد خط واضح بين المقاتلين وغير المقاتلين. هذا هو التمييز الأخلاقي الذي ينبغي لكل الأطراف أن توافق عليه. الإرهاب بجوهره هو محاولة شريرة لتشويش هذا التمييز، ويجعل المدنيين هدفاً مشروعاً. لذا يجب عدم اعتماد ذات الأسلوب عند محاربته. القدرة على المس والإضرار هي التي تجعل المقاتلين هدفاً مشروعاً في الحرب أولئك الذين لا يمكنهم أن يمسوا وان يضروا، أي غير المقاتلين، هم جميعاً مثابة أبرياء. أما المقاتلون فملزمون بالحساب على سلوكهم أثناء الحرب، وفقط على سلوكهم أثناء الحرب وليس على مجرد مشاركتهم في الحرب. وذلك لان المقاتلين يعتبرون كمن يؤمنون بان دولتهم تخوض حرباً عادلة. يجب التمييز جيدا بين مفهومي الحرب العادلة، تلك التي يكون العدل خلف اتخاذ قرار شن الحرب وتلك التي موضوعها السلوك العادل في وقت الحرب . على رؤساء الدول أن يعطوا الرأي في العدل لشن الحرب، أما الجنود والضباط ففي السلوك العادل أثناء الحرب. مقاتلو حماس وحزب الله يعتبرون هم أيضاً، ككل مقاتل، كمن يؤمنون بان حربهم عادلة. ليس في ذلك بالطبع ما يعفيهم من إعطاء الحساب على سلوكهم في الحرب ولا سيما عندما يحولون المدنيين الى هدف أول لهجماتهم، مثلما أيضاً حين يستخدمون المدنيين كدروع بشرية. ولكن ليس أياً من هذه الجرائم يمكنها أن تعفي المقاتلين ضدهم من واجب الامتناع أو التقليل من إصابة المدنيين. كيف يشوش كيشر ويدلين التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين ؟ بالسماح لمقاتلينا بالقفز الى مقدمة الطابور الأخلاقي وتقديم مدنيينا في الدفاع عن أمنهم، رغم أن أولئك المدنيين يتمتعون باعتبارهم أبرياء. قبل حرب لبنان الثانية، في 6002، انتشرت شائعات تقول أن حزب الله يخطط لاحتلال كيبوتس على الحدود مع لبنان، وكان كيبوتس منيرا مرشحاً لذلك. هيا نفترض بان حزب الله نفذ هذه الخطة وننظر ونفكر بعدة سيناريوهات محتملة: 1. حزب الله يحتل منيرا ويحتجز أعضاءه من مدنيين إسرائيليين، كرهائن. مقاتلو حزب الله يختلطون بأعضاء الكيبوتس كي يحموا أنفسهم من هجوم مضاد. 2. حزب الله يحتجز كرهائن فقط المتطوعين من الخارج ممن كانوا يمكثون في منيرا ويستخدمهم كدروع بشرية. 3. حزب الله يحتجز كرهائن فقط متظاهرين من الخارج، الذين جاؤوا كي يحتجوا على السياسة الإسرائيلية في لبنان، ويستخدمهم كدروع بشرية. 4. حزب الله يخلي الكيبوتس ويجلب إليه مدنيين من جنوب لبنان، بدعوى أن الأرض تابعة لهم، ويستخدمهم كدروع بشرية. ورداً على ذلك توشك إسرائيل على الخروج الى حملة عسكرية كي تحرر "منيرا". بزعمنا، من ناحية أخلاقية، على إسرائيل أن تتصرف في كل تلك الحالات دون تمييز. مدونة سلوك جنودها في مثل هذه الحالة ينبغي أن تكون متشابهة، دون أي صلة بمشاعرهم تجاه مجموعات المدنيين المختلفة. إذا ما حرص جنود إسرائيل على قواعد السلوك واخذوا المخاطرة الأخلاقية الإلزامية، فان المسؤولية عن موت الدروع البشرية لحزب الله تقع فقط على حزب الله. جنود الجيش الإسرائيلي يقاتلون الأعداء الذين يحاولون قتل مدنيين إسرائيليين ويعرضون مدنييهم للخطر في ظل استخدامهم كدروع بشرية. إسرائيل تندد بالممارسات غير الأخلاقية ظاهراً، ولكن تنديدها ليس صادقاً. وذلك لان إسرائيل مسؤولة عملياً عن قسم اكبر بكثير من المدنيين القتلى يفوق المسؤول عنهم أعداؤها. وحتى لو لم تقتلهم هي عن قصد، فإنها تعمل وهي تعلم ان أعمالها ستؤدي الى موت مدنيين كثيرين. كيف يمكن إذن لإسرائيل أن تثبت لنفسها وللآخرين معارضتها لممارسات أعدائها ؟ وبالفعل، لا يكفي أن يكون جنودها لا يقصدون قتل مدنيين، عليهم أن يعملوا كي لا يقتلوا المدنيين. وهذا يمكن أن يكون ذا مصداقية فقط إذا اخذ مقاتلو إسرائيل على أنفسهم مخاطر أعلى من المخاطرة التي توقعها أعمالهم على المدنيين. افيشاي مرغليت ومايكل ولتسر صحيفة هآرتس