من بين مختلف أنواع القضايا النسائية التي تشهدها محاكم المملكة تبرز قضايا الخلع ومفارقة الأزواج كأكبر هموم المرأة وأوسع القضايا تأثيرا على حياتها وحياة أبنائها على المدى البعيد ، وفي آخر إحصائيات الطلاق التي صدرت العام الماضي سجلت محاكم المملكة (28561 ) حالة طلاق لعام 1428ه، منها 84% حالة طلاق، و5% حالة خلع، أي (1428) حالة، و11% حالة فسخ. وإذا كنا بصدد 1428 حالة خلع في عام واحد فإننا بالتأكيد نتحدث عن نهاية القضية وإصدار الحكم لكن الرقم لا يخبرنا عن عدد السنوات التي بقيت هذه الحالات رهينة لها حتى حصلت على الحكم ، لان معظم حالات الخلع تتطلب أن تقدم المرأة عوضا مناسبا يقرره القاضي تدفعه المرأة لزوجها من باب "ردي عليه حديقته" ،وجمع هذا العوض يأخذ وقتا من المرأة يطول ويقصر حسب ظروفها المادية ، في هذا التحقيق نعرض لبعض حالات المدعيات بالخلع بعضهن حصل على الحكم وأخريات لازلن ينتظرن دورهن .. معاناة مستمرة لكل شيء بداية ولكل نتيجة سبب ، ولا تصل المرأة إلى المطالبة بمفارقة زوجها إلا وقد مرت معه بكل المراحل التي لا تستقيم لهما حياة بعدها، وهذا ما حدث لنورة التي تحدثنا عن قضيتها وقصتها قائلة :" احل الله الطلاق إذا سدت الأبواب وعجزنا عن الوصول إلى حل مناسب يرضي الطرفين ، بعض الرجال وزوجي منهم يقررون الزواج من موظفة ويعتمدون على راتبها اعتمادا كليا في تحمل أعباء المنزل ومتطلبات الأبناء، وزوجي هو ابن احد أقربائنا المشهود لهم بالخير تزوجته وأنا يحدوني الامل في بناء أسرة ومنزل تسوده المحبة والاستقرار، وكبداية كل زواج لا يظهر إلا الحسن والطيبة والاحترام وتمر الأيام ونرزق بولدين و3 بنات وهنا أخلى مسؤوليته عن الصرف علي، قائلا: أنت موظفة وعندك راتب كبير وأنت المسؤولة عنهم .. حاولت بكل ما استطيع من وسائل الإقناع والرجاء بأن اخبره بان هذا لا يجوز وأن الشرع حدد بأن يكون هو المسؤول عن الإنفاق على البيت والأبناء وأنا لا أمانع من المساهمة بجزء من راتبي، ولكن دون جدوى، وهكذا حتى كثرت المشاكل وتمادى في مطالبه حتى لم يعد يدفع إيجار المنزل ولم يعد يساهم حتى بجزء بسيط فيه ، ولما أيست منه وفشل الوسطاء بيننا تشجعت وذهبت إلى المحكمة لطلب الخلع من هذا الرجل جراء الضرر الذي أصابني وأبنائي منه حيث، حول البيت إلى "بركان محموم" من الغضب حتى إن أولادنا كانوا إذا رأوه داخلا من الباب توجهوا إلى غرفهم فلم يغادروها حتى يغادر خوفا منه، ولكن للأسف الشديد طلب القاضي شهوداً ثم تم استدعاؤه لمدة 3 شهور وكل جلسة احضر أنا وأخي وهو لا يحضر حتى تم استدعاؤه عن طريق الشرطة ولم يحضر وتم خلعي منه بأمر القاضي ولم يتم تسليمي صك الخلع إلا بعد مرور 3 شهور أخرى، وذلك ليتم إبلاغه بما أمر به القاضي، وحين تم سؤاله لماذا لم تحضر الجلسات التي قررها القاضي، قال: "عناد فيها وفي عيالها وسأظل أضايقها حتى تعطيني مبلغاً كبيراً". تقول نورة دفعت وحصلت على صك خلعي بعد عام تقريبا واعرف أنني محظوظة بوجود إخوتي بجانبي يساندونني ويقفون معي، ولكن غيري كثيرات لا يستطعن أن ينلن حريتهن أو أن يأخذن حقوقهن ويحتجن إلى من ينصفهن . مسؤولية من؟ أما نوير فقصتها مختلفة قليلا، فقد كانت تحب زوجها ويحبها وبينهما سبعة أطفال، لكنه ذات يوم وبدون إبداء أسباب تزوج عليها وحين علمت بذلك لم تتحمل الموقف وطالبته بالطلاق، تقول نوير :" عاد زوجي من عمله في نهاية الأسبوع كعادته لأنه يعمل في مدينة أخرى واخبرني بأنه معزوم لعرس صديق له وطلب مني تحضير ملابسه والعطر والبخور وقمت باللازم حتى حذاءه ألبسته إياه..ولم أكن اعلم انه ذاهبا لعقد قرانه، وحين علمت تركت له أطفاله وذهبت إلى بيت أهلي وطلبت الطلاق لكنه رفض تطليقي فرفعت عليه قضية خلع فحكم القاضي علي بالنشوز و70 ألف ريال مقابل حريتي علما بان مهري كان 15 ألف ريال فقط، وبعد الطلاق حرمني من رؤية أولادي، وحين تزوجت بآخر بعد مدة احضر لي الأولاد وتركهم عندي بدون نفقات وهدد إذا أعدتهم له بان يجعل البنات خادمات لدى زوجته الرابعة (علما بأنه طلق اثنتين بعد نوير) وأن يجعل الولد سائقا لديه ويحرمهم من الدراسة ، وهكذا ترك الأولاد لدي أقوم بالنفقة عليهم أقيم معهم في غرفة فوق سطح منزل أهلي بعد أن تركني زوجي الثاني بحملي الكبير . مأساة كبيرة وهذه (هدى) تخبرنا بقصتها الحزينة، قائلة: ولدت وتربيت في أسرة يسودها الحب والاحترام ويحكمها الدين والأخلاق، وعندما كنت في السنة الأخيرة في الجامعة تقدم رجل من أفراد أسرتي وخطبني، واحضر معه العديد من الرجال الذين يشهدون بصلاحه وتقواه، كما احضر شهادات تؤكد انه متعلم وذو خلق ودين، وبالرغم من فارق السن الذي بيننا، وأن لديه زوجة وأبناء، إلا أنني وافقت على الزواج منه نزولا عند رغبة أبي الذي اقتنع بشخصه وشخصيته تماما وتم الزواج ومن الأسبوع الأول صدمت بمن تزوجت فقد كان إنساناً متكبراً وبخيلاً وسيء المعشر ومع الوقت تكشفت لي أمور كثيرة أرعبتني فذهبت إلى والدي وشكوت له الحال فرفض أن يسمع مني، وطالبني بإحضار ما يثبت شكوكي بزوجي فليس من العدل أن اتهمه جزافا حينها عدت أدراجي وقد اسودت الدنيا في عيني، ومرت الأيام وازداد الأمر سوء فقد بدا واضحا للعيان سوء خلقه وتصرفاته الغريبة وأفكاره المريبة التي زادتني خوفا أكثر وأكثر خاصة بعد إنجابي لابنتي البكر فأصبح يهددني في حال طلبي للطلاق أن يحرمني من ابنتي طوال حياتي، كما أبدى استعداده التام أن يحرمني من وظيفتي وأن يلفق التهم لي في بيئة عملي أن لم اقبل بصمت أن أعيش معه وفق شروطه ولخوفي على ابنتي ووظيفتي صبرت وحاولت إصلاحه وتذكيره بالله ورسوله دون جدوى وتوافد الأبناء الذين كنت لهم الأم والأب في الوقت نفسه بعد أن تخلى والدهم عن مسؤولياته نحوي ونحوهم، بل أصبح يبتزني ماليا ويحاول السيطرة على راتبي بكل الطرق وحاولت معه عدة مرات أن يتركني في حالي اربي أبنائي دون مشاكل ليعيشوا باستقرار وهدوء ولكن لا فائدة، واكتشفت فيما بعد أن لزوجي سجلا إجراميا وانه غير متعلم ومزور لشهاداته الدراسية، بل كان والدي احد ضحاياه حيث زور وكالة باسم والدي وحصل على قرض بنك التنمية العقاري والقضية مازالت منظورة لدى المحكمة العامة بالرياض حتى الآن ، وعندما طفح الكيل خاصة بعد أن حرم أبنائي من المدارس وأصبح يقطع علينا الكهرباء بالأيام والليالي حتى أنني كنت احمل ابني المصاب بالربو بين يدي واذهب إلى بيت الجيران حتى أضع جهاز التنفس له وأصبحنا معتقلين داخل منزلنا محرومين من أن نحيا بأمان أو أن نحيا حياة كريمة بل انه رفض نقلي إلى المستشفى وأنا في حالة ولادة وطلب مني الخروج للشارع لأبحث عمن يقلني، والمواقف مثل هذه كثيرة... رحلة عذاب وتضيف هدى :" تقدمت بطلب فسخ عقد نكاحي وحضانة أبنائي إلى المحكمة العامة بالرياض ومن هنا بدأت "رحلة عذاب" جديدة بين أروقة المحاكم وبين زوج لا يحضر الجلسات ويماطل بالحضور (علما بأنني أعيش مع أبنائي في بيتي بالرياض وأهلي بمنطقة تبعد عني مئات الكيلومترات وفي كل جلسة يتناوب إخوتي الحضور معي للمحكمة كمحرم )، بل بعد كل جلسة أجهز نفسي لموقف من العيار الثقيل سوف يقوم به زوجي ضدي وضد أبنائي كعقاب لي وليردعني عن الاستمرار في قضيتي وبعد عناء استمر أكثر من عامين وتكبدي الكثير من الآلام النفسية والجسدية بسبب الوضع المأساوي الذي أعيشه أنا وأبنائي حكم لي القاضي بفسخ العقد، ولكن بشرط دفع المهر كاملا إلى زوجي وليت القاضي حكم بالمهر فقط وإنما بجميع ما دفعه من هدايا وحلفني اليمين على ذلك لأذهب وأنا أتجرع الفرح بمرارة القهر والظلم لاستدين من زميلاتي مبلغ ستة وأربعين ألف ريال وستمائة لأقدمه بشيك مصدق إلى فضيلة القاضي حتى يفك وثاقي الذي دام لخمسة عشر عاما ، ولم اهنأ بذلك طويلا ففي اليوم التالي مباشرة قام طليقي بمساعدة اثنين من أبنائه من زوجته الأولى بالتهجم على مدرسة ابني محمد (7 سنوات) وخطف ابني من داخل المدرسة وتوارى عن الأنظار وحينما علمت بخطف ابني جن جنوني خاصة وانه كان قد هددني بالقتل أنا وأبنائي عدة مرات داخل وخارج المحكمة وأمام القضاة دون تحريك ساكن... خطفوا ابني وبصوت متهدج تكمل هدى قائلة :" وبخطف ابني محمد بدأ فصلا جديدا من المعاناة فقد جاهدت حتى يتم تحرير بلاغ ضد زوجي من مركز الحي وكانوا يرفضون حتى هددت برفع الأمر لإمارة منطقة الرياض فحرروا لي بلاغاً وحولت إلى قاضي أمر فورا بسرعة القبض على طليقي ورد ابني لي واخذ تعهداً بعدم التعرض ولكن أمر القاضي أمر تشريعي ويبقى الدور على الجهة التنفيذية لتنفذ وقد قالوا لي (الشرطة) أن الولد مع والده. وأصبحنا أنا وأخي نبحث عن ابني في كل مكان ونزود الشرطة بما استجد، بل حتى لما تم القبض على طليقي كان بواسطة أخي الذي تتبعه حتى احضر الشرطة للقبض عليه وليت المسألة انتهت عند هذا بل أن أولاد زوجي الكبار أمعنوا في إخفاء ابني لمدة 25 يوماً وحرمانه من مدرسته وتهديده بالقتل فيما لو حاول إبلاغ الدورية عند نقله من مكان لمكان، حيث تم إخفاؤه ما بين المنطقة الشرقية والجنوبية، وفي شقق واستراحات، وبعد جهد جهيد وبعد الاستعانة بإخوة طليقي الذين ضغطوا عليه ليعيد ابني اشترط عدة شروط رضخت لها مرغمة حتى أخلص ابني من الأسر خاصة وانه يصاب بأزمات ضيق تنفس وتشنج بسبب نقص الأكسجين وحينما استلمت ابني من مركز الشرطة استلمته وقد أصبح بعقل رجل أذاقته الحياة صنوف العذاب فكان لا ينام ليلا ويعاني من كوابيس وردد علي كثيرا رغبته في قتل أبيه وحينها صدمت وتمزق فؤادي كيف يجرؤ صغيري على هذا القول وكيف يفكر بهذا العنف وقررت عرضه على طبيب نفسي ومازال يتلقى علاجه عنده حتى الآن. والآن أعيش على صفيح ساخن بسبب القضية التي لا تزال قائمة بيني وبين طليقي للحصول على حضانة أولادي (خمس بنات وولد). خلع وليس طلاق وتقول ريما (47 سنة):" لي أربع سنوات في المحكمة أطالب بالطلاق لسوء العشرة واستحالة الحياة مع زوجي الذي اعتاد على تعاطي المسكرات وضربي ومطالبتي بنقود باستمرار؛ حتى انه قطع سلسالي الذهبي من عنقي بعنف حين رفضت إعطاءه المال، وطالبني القاضي برد مهره له رغم أن زوجي لم يكن قد طالب به في أي مرحلة سابقة من مراحل القضية، ولقد كان مهري مائة ألف فحكم القاضي له رغم أني كنت قد أنفقت عليه خلال سنوات زواجنا الخمسة عشر بلا أولاد أكثر من هذه المائة ومنهم 50 ألف مثبتين عليه فعليا بوثيقة قدمتها للقاضي لكنه لم يثبتها ولم يخصمها من المهر الذي يجب أن أرده، وأيضا كنت قد اشتريت سيارة لزوجي بسبعين ألف لم تحسب كذلك، وتقول ريما " عندما بدأت إجراءات المحكمة كان عمري 42 سنة، والآن 47 سنة، وإلى الآن لم يقع الخلع لأنني لم أتمكن من جمع المال. اقل من خادمة! والحالات التي لدينا كثيرة جدا لكننا نختم بهذه الحالة وهي لأم فيصل التي تبدأ قصتها قائلة :"تزوجت زواجاً تقليدياً من رجل واسع النفوذ عام 2004، وبعد عام رزقت بطفل، وكان زوجي يتلفظ بالطلاق باستمرار ويعتدي علي بالضرب والبصق على وجهي، وذات يوم كانت أمي عندي وضربني على وجهي وضرب أمي ثم طردني وأرسل لي عبر الجوال "أنت طالق "، وبعد فترة من بقائي في بيت أهلي أرسل في طلب ابنه فأرسلته له فلم يعده لي فخرجت مع أهلي وذهبت أدق على بابه كالمجنونة حتى يحضر لي الرضيع لكنه أبى أن يفتح الباب وقام بسبي وشتمي من خلف الباب، وبعد سبعة أيام من التوسل والبكاء لكي يعيد الولد تمزق قلبي خلالها ألف قطعة ذهبت إلى المحكمة العامة وهناك بكيت للقاضي وشرحت له مأساتي فأمر بتمكيني من ابني بسرعة وعبر الشرطة استعدت ابني بحمد الله، وبعد اخذي إبني (فيصل) رفع هو قضية لرؤية الولد فحكم له القاضي برؤيته كل يوم اثنين لمدة أربع ساعات ، وفي ذلك الوقت رفعت قضية لإثبات الطلاق الذي أوقعه عبر رسالة الجوال وبالهاتف مرات عديدة لكن القاضي رفض إثبات هذا الطلاق وحاول إصلاح ذات البين بيننا واحضر حكما من أهله وحكما من أهلي لكن دون جدوى. المهم أن القاضي حول القضية إلى قضية خلع وأصدر حكمه النهائي برد كامل المهر إلى زوجي الذي لم يعطني جواز سفري أو مجوهراتي التي بقيت في بيته ، وحصلت على حكم الخلع قبل ستة شهور فقط ، لكنني اشعر بمرارة كبيرة فلقد دفعت مالا لكي احصل على حريتي رغم أنني أنا المتضررة ورغم أن رد المهر لا يقابله رد سنوات عمري التي ضاعت معه ، فلو كنت خادمة لدفع لي بدلا من أن يأخذ مني فهل كنت عنده اقل من خادمة؟