لم تعد المملكة العربية السعودية مقتصرة على موقعها الإقليمي فقط فهي الآن تمارس دورها العالمي بكل اقتدر وهذا ما جعلها ومنذ قيامها مؤهلة لقيادة إقليمية مستحقة من اجل القضايا العربية والإسلامية إضافة إلى دورها العالمي سياسيا واقتصاديا. خلال القمة العربية التي عقدت في الدوحة مؤخراً اعلنت الدول العربية عن شعورها بالفخر والاعتزاز بتمثيل المملكة للدول العربية في قمة العشرين، فدور المملكة العالمي ليس جديدا ولكنه مبني على مؤهلات المملكة وبنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تلك المقومات صنعت من هذه الدولة بنية وتشكيلة مختلفة عن الكثير من الدول العربية ففي قضية فلسطين أو أي قضية عربية تبرز المملكة العربية السعودية بدورها الريادي لتقود القضايا العربية إلى بر الأمان عبر قدرتها على تسخير كل إمكاناتها الدولية ،السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا احد يستطيع أن ينكر تلك الأحداث الايجابية التي تحملت بها المملكة الكثير من القضايا العربية دون كلل أو ملل. العالم العربي وعبر تاريخ هذا الوطن إذا ما مر بأزمة مهما كان نوعها التفت إلى المملكة العربية السعودية منتظرا دورها وقدرتها وإمكاناتها لكي يتحرك العالم. الشعب السعودي وبطبيعته الاجتماعية يدرك تلك الأدوار التي تقوم بها دولته لذلك ضل الفرد السعودي في كل قضية عربية متخذا موقفا عقلانيا ايجابيا يعكس موقف دولته وهذا انعكاس طبيعي للتناغم الذي تميز به هذا الكيان. لقد تعاقب ملوك هذا الوطن وتعاقبت عليهم الكثير من القضايا العربية سواء الدائمة منها أو المؤقتة والتي قد تصنعها الأحداث الدولية، ولم يخلُ خطاب ملك من ملوك هذا الوطن من رغبة أكيدة ومتكررة ودائمة نحو إيجاد الحلول لجميع القضايا العربية ولم يخلُ هذا الوطن يوما من شعب تعاطف مع كل قضايا العالم العربي والإسلامي. مواقف كثيرة وثابتة لم تتغير مع الزمن ابتداءً من مؤسس هذا الكيان الملك عبد العزيز حتى خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الذي لم يكلّ يوما في تقديم يد العون لكل مبادرات صادقة في جمع العرب على قلب رجل واحد، فما قدمه حفظه الله من مبادرات متتالية للمصالحة العربية إنما هو تعبير عن موقف ايجابي راسخ وصريح من القضايا العربية. خادم الحرمين حفظه ومع كل الأصوات التي تنادي من خارج أو داخل الوطن العربية باستحالة الوحدة أو المصالحة العربية لم يتوقف ولم يلتفت إلى تلك الأصوات فالسياسة التي يتبناها حفظه الله تقوم على أن الحلول مهما بدت مستحيلة أو صعبة فهي لا تأتي على طبق من ذهب فكل الحلول وكل المشكلات لا تولد دفعة واحدة إنما تأتي تباعا إذا ما وجدت الإصرار والعزم في تبنيها والمحاولات المتكررة لنشر تلك المبادرات وبشكل دائم تصنع الحلول وتجعلها أمرا ممكنا. إن عقارب الزمن في السياسة هو عمر الأمم والدول وليس الدقائق والثواني وهذا ما جعل سياسة المملكة ثابتة ترتقي مع الزمن وتتصاعد عالميا. لقد عمل خادم الحرمين الشريفين حفظه الله منذ توليه مقاليد الحكم على صياغة متينة للسياسة السعودية على المستوى العالمي والمحلي فالمملكة لعربية السعودية صعدت درجات أعلى في موقفها العالمي بل إنها أصبحت من أهم عشرين دولة في العالم بل إن العالم اليوم لن ينجز أي مهمة تخص العالم الإسلامي أو العربي دون أن يمر عبر المملكة، وقد نتذكر مرة أخرى بعد أيام بالدور الذي سوف تقوم به المملكة في قضايا عربية طارئة وتخص رؤساء دول وليس دولا بعينها. سياسة المملكة اليوم لم تعد تمثيلا محليا بل أصبحت تمثيلا دوليا متصاعدا وهذا ما عكسته الكثير من خطوات الإصلاح الداخلي لخادم الحرمين الشريفين من إصدار الأنظمة والقوانين. لقد كانت خطوات الإصلاح الداخلي متزامنة بل مرتبطة بالأدوار العالمية التي تلعبها المملكة حيث تخطت الحواجز الدولية كنتيجة لثبات موقفها ولقدرتها على إدارة المواقف بمنهجية ثابتة عبر تاريخها. إن صعود نجم المملكة هو صعود ثابت وراسخ في سماء العالم كله، وهذا لا يحتاج إلى أدلة من احد بل أصبح حقيقة مؤكدة ولذلك فإن العالم بما فيه العربي والإسلامي يشعر بدور المملكة الحقيقي ومكانتها العالمية الصاعدة والتي قد تحل بها مستقبلا في موقع استراتيجي في المنظمة الدولية. إن مؤشرات وقرارات الإصلاح الداخلي التي قادها خادم الحرمين الشريفين في كل المجالات تعكس ذلك الاهتمام والمكانة المؤكدة التي يتوقع أن تلعبها المملكة مستقبلا في ظل التحولات العالمية. لقد تم الاهتمام بالتعليم والصحة والمجتمع كأفراد والأنظمة القضائية والقانونية من اجل صناعة مجتمع يتوافق ويدرك موقعه العالمي الجديد وقد جاءت القرارات الملكية تباعا وبشكل تصاعدي وبشكل متوافق مع تطلعات هذا المجتمع الذي لم يعد أمامه سوى أن يكون عالميا كدولته. لقد جاء تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية كنائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء ليعكس اهتمام قيادة هذا الوطن لتحقيق هذه النقلة وفقا لمتطلبات المجتمع ووفقا لقيم هذا المجتمع الذي يجب أن يحقق التغير مستندا إلى قيمه الراسخة، فكما أن سياسة هذه الدولة ثابتة من حيث مواقفها وقضاياها العربية والإسلامية فإن تغيرها المجتمعي يستند بلا شك إلى قيم هذا المجتمع كمجتمع مسلم ووفق شريعة إسلامية قابلة للتكيف مع مستجدات الحياة، فالإسلام صالح لكل زمان ومكان وقابل للتكيف مع كل مستجدات العالم الحديث. إن الرسالة واضحة من رجل الإصلاح في الدولة العالمية (خادم الحرمين الشريفين حفظه الله) إلى رجل المهمات الصعبة صاحب السمو الملكي الأمير نايف وفقه الله، هذا الرجل الذي وقف بحزم أمام الإرهاب واستطاع بخططه الأمنية أن يفشل كل المحاولات اليائسة التي كانت ترغب في التأثير على هذا الوطن واستقراره. لقد كانت مهمة صعبة لم يكن من السهل الاحتمال لها لولا وجود رجل بهذه الصفات فملف الإرهاب إنما هو واحد من أكثر الملفات الأمنية التي عكست قدرة سمو الأمير نايف بن عبد العزيز البارعة، فقد خاضت المملكة تجربة ليست سهلة في محاربة الإرهاب بل إن المحاولات الكثيرة للزج باسم المملكة في هذا الملف العالمي لم يكن سهلا. لقد كانت قدرات المملكة الأمنية والسياسية جلية عبر بيان الحقائق وكشف المحاولات اليائسة لإدخال هذا الوطن في أزمة عالمية مع الإرهاب والإرهابيين. لقد كان موقف المملكة من العمليات الإرهابية واضحا ومبنيا على إستراتيجية أمنية قادرة على تجاوز أزماته وهذا ما تحقق بالفعل بل إن القضية ذهبت إلى ابعد من ذلك، فلم تكن الوقاية الأمنية هي الهدف الوحيد للقيادات الأمنية في المملكة، لقد كانت الوقاية الفكرية مرتبطة وبشكل لصيق للوقاية الأمنية فكانت المناصحة هي التجربة المحلية الأبرز لحماية شباب الوطن من الانحراف الفكري. لقد حققت هذه التجربة نجاحات جعلت الكثير من دول العالم الغربي بشكل كبير يبحث في كيفية الاستفادة منها وتطبيقها. هذه النجاحات والخبرات المتراكمة عبر تجربة سمو وزير الداخلية جعلت من تجاربه الميدانية نجاحات جلية فما حققته المملكة في محاربة الإرهاب لم يكن صدفة زمنية بل كان سياسة أمنية متينة وهذا ما تؤكده تلك الضربات الاستباقية التي يحققها رجال الأمن بقيادة رجل الأمن الأول سمو وزير الداخلية. إن تجربة سمو الأمير نايف وفقه الله المجتمعية جعلت منه رجلا مؤهلا ومليئا بالخبرات المتراكمة عبر السنوات للمساهمة في نقل هذا المجتمع إلى مصاف دول العالم المتقدم متوشحا بقيمه الاجتماعية كمجتمع يعيش في ظل دولة تحتضن اطهر بقاع الأرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين.