حينما يحضر الأخضر تغيب جميع الألوان، ويكون (حبه) هو العنوان، وحينما يستنجد المنتخب يجد آلاف الأيدي تمتد إليه لترفعه، وملايين تمتد لتصافحه. ** يقال: الجمهور هو اللاعب الثاني عشر، لكنني أقول: جمهور كالذي حضر أمام الإمارات هو أحد عشر لاعبا، ومن هم داخل الملعب هم اللاعب الثاني عشر. ** لا شيء يغلب الوطن حبا وانتماء، في الشدة والرخاء، لا تراخي عندما يكون بحاجة إلى يد تمسك بيده، أو صوت يسعده، كلمة تشجعه، أو جسد يرفعه، الوطن قلب يخفق، ودمعة من العين تتدفق. ** من كل مناطق المملكة سارت الأقدام وتحملت المشاق قادمة إلى الرياض من الشرقية والغربية والشمالية، من عسير والباحة والقصيم وحائل، إلى حيث يلعب المنتخب تحركت الباصات، وتوجهت الطائرات ، استقطب الأخضر كل المناطق والمدن والمحافظات، كل القرى بعيدة وقريبة، إنه الانتماء، فما أجمله ! ** مدرجات استاد الملك فهد الدولي بالرياض كانت متحفزة لاستقبال رجال أمسك بعضهم بالعلم السعودي، وصبغ بعضهم وجهه باللونين الأبيض والأخضر، حضر كل فرد بجسده وقلبه، وتحركت يداه مصفقة، ولسانه مشجعا، لا يفتر حماسه مهما طال الوقت، أليس من يلعب هو المنتخب السعودي الذي رفع الرأس في كثير من المحافل؟ ** خارج الملعب كان الازدحام على أشده، بشر من كل مكان حضروا، وعلى مشقات الطريق صبروا، داخل الملعب جلس الهلالي وبجانبه نصراوي فاتحادي فأهلاوي، لا تمايز بينهم، توحدوا كما توحد اللاعبون داخل أرض الملعب، كل يرى الوطن أمامه ولا شيء غير، الجميع ينظر بعينين إلى هدف واحد: الوصول للمرة الخامسة إلى نهائيات كأس العالم، الجمهور السعودي صاحب الذوق الرفيع صاحب همة، ويتطلع أبدا إلى القمة، ألم تلاحظوا أن المدرج يحلو إذا لم يقسم إلى شقين؟ّ!.. المنتخب الذي لمّ الشمل، هو الذي لا يكلّ ولا يملّ. ** استنجد الإيرانيون قبل أيام بمئة ألف من جماهيرهم يقودهم رئيس الدولة، بعثرنا الجميع هناك.. مساء الأربعاء هنا لم يكن الجمهور بحاجة إلى دعوة تقدم، فلا ضيف على أرض الوطن، الجميع أصحاب دار مفتحة لهم الأبواب، كل من في المدرج ساهم مساهمة مباشرة في الفوز، حفز بصوته وحركاته، كان المنظر مهيبا، والتشجيع رهيبا، لو سألت اللاعبين عن أكبر المحفزات لقالوا: سبعون ألف مشجع التفوا حولنا، وملايين خلف الشاشات يتابعوننا، ولو طلب منهم أن يلعبوا مباراتين أخريين متواصلتين لما رفضوا، فمن حضر ليؤازر يستحق أن تخرج من أجله طاقة الجسد كلها، وأن يهدي له الانتصار تلو الانتصار. ** يا ترى.. لو أن المدرج يتسع لمليون شخص في لقاء كهذا، هل سيبقى فيه مقعد فارغ؟!.. جمهور ملأ الملعب من الثالثة عصرا، ولو فتحت الأبواب في الثالثة فجرا لما رضي أن يطلع الصباح وهو في بيته، بل لو سمح له أن يبيت في الملعب لفعل، جمهور يقول ويفعل، رفع رأسه (فوق هام السحب)، شعاره (من أجلك يا وطني أزرع الحب)، يردد في كل وقت ( لك يا أرضي يخفق القلب).