قبل يومين أرسل لي صديق من المملكة رسالة هاتفية - صباح الورد. قلت له: صباح البهجة. ردّ علي بسرعة: ايش فيك. خير إن شا الله قلت له : لماذا أنت مستغرب؟ قال: يا أخي ليش تدعو علينا من صباح الله. والحقيقة أن كلاً منا لم يسبق أن استخدم هذه المفردة. لكني تمتعت في الفترة الأخيرة بغسيل لغوي وشعري لا مثيل له. طال الكثير من المناطق الجافة والمعتمة في الروح والعقل معاً. والمشكلة أنه كلما ازددت نظافة ازددت علماً بالطبقات التي مازالت تنتظر دورها. تماماً كقول الشافعي: كلما ازددت علماً زادني علماً بجهلي. قلت له: ألم تسمع بالبهجة؟ قال: أحفظ تعبيراً ميّتاً «تدخل البهجة على النفس». ولم يخطر بلالي يوماً أن البهجة فرح أو متعة، لأني لم أكن أعرف حتى معنى النفس. وحتى لما قلت لك صباح الورد لم تكن أكثر من كلمات. ولم يسبق أن اقتربت من وردة أو حملتها. حاولت بدوري أن أعطيه درساً بسيطاً في علاقة الإنسان بالورود وتاريخها، لكنه اكتشف بسرعة أننا نسير في اتجاهين نقيضين. قلت له سنلتقي على وردة. قال: سنلتقي على كبسة وجهاً لوجه. أو على غبار إن شئت. قلت له: الصحراء ليست غباراً فقط. يكفي أن تفتح عينيك. قاطعني: بين الهيئة والغبار لا يمكن أن ترى وردة. سألته إن كان يعرف حكاية الشاعر علي بن الجهم الذي كان بدوياً جافاً قاسياً دفعته الحاجة إلى باب الخليفة المتوكل على الله. والذي قال للخليفة يمدحه: أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب قال: من منّا لا يعرف هذه «السالفة»! الأهم منها هو كيف أتتك البهجة؟ قلت له: كنت أقرأ قبل أيام الإعلان العالمي لحقوق الحيوان.. واكتشفت فيه ما لو طبّق من أجل الإنسان في العالم الثالث لاختفت الفروق بيننا وبين الغرب، وقد نذوب رقّةً فيما بعد. طلب مني أن أرسل له نسخة مترجمة. وعدته زن تصله مع وردة. وعلى كبسة. ضحك وودّعني وفي صوته بداية بهجة.