عارض بعض الصحافيين المصريين والعرب موافقة «الرقابة المصرية على المصنفات الفنية» على السماح بعرض الفيلم الأميركي «احبك يا رجل» في دور العرض المصرية، وهو يتضمن مشهداً حوارياً بين شخصين، يبدي أحدهما إعجابه بكلب صاحبه، فيسأل عن اسم الكلب، فيرد صاحب الكلب، اسمه أنور السادات، فيسأله الآخر هل سميته السادات لأنك معجب بالرئيس المصري؟ فيرد عليه، لا. ولكن لأنه يشبهه تماماً. هذا المشهد اعتبره بعضهم قدحاً في رمز مصري، وطالب آخرون بمنع عرض الفيلم والتحقيق مع الذي سمح بعرضه. غضب هؤلاء من هذا المشهد، المألوف في عرف السينما الأميركية، يذكّرنا بموقف الشاعر العربي علي بن الجهم، الذي وقف مادحاً الخليفة العباسي المتوكل، بقصيدة مطلعها «أنت كالكلب في حفاظك للود - وكالتيس في قِراع الخطوب». فأغضب التشبيه جلساء المتوكل، لكن الخليفة أدرك نبل مقصد الشاعر، وتفهم خشونة لفظ هذا البدوي الأصيل. والمفارقة ان التشبيه بالكلب عند الأميركان له الدلالة ذاتها التي لدى العرب قديماً. فالأميركان يعتزون بالكلب مثلما كان علي بن الجهم يفعل، فضلاً عن أن من يتأمل حوار الفيلم، وهو يفهم الثقافة الأميركية، لن يفسره بهذه المبالغة، وربما لو ان الرئيس الراحل أنور السادات شاهد الفيلم لتبسم، وتعامل معه على طريقة المتوكل. المثير هنا هو تبدل علاقة العرب بالكلب، واعتباره رمزاً للاحتقار والمهانة، رغم ان عرب علي بن الجهم كانوا يعتزون بهذا الحيوان الوفي. فهو راعي الغنم ورفيق الصيد، وحارس البيت، ورمز الشجاعة والوفاء، ومن يقرأ سورة الكهف التي وصفت مشاركة الكلب للفتية في رقودهم الطويل، وقوله تعالى «وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا»، سيدرك ان علاقة الكلب بالإنسان علاقة قديمة وحميمية. فهو، كما ورد في القرآن عاش مع اهل الكهف «ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً»، فضلاً عن ان الدين الإسلامي رفع من شأن كلب الصيد، وسمح بأكل ميتته من دون غيره من الحيوانات. لا أريد هنا ان أتقمص شخصية علي بن الجهم، وليس القصد تبرير مشهد الفيلم الأميركي، لكن تشبيه الإنسان بالكلب ليس إهانة، وكان العربي قديماً إذا اعجب بشخص قال له، يا الله ما أجملك أنت كلب.