مأساة الكذّاب كما يراها الكاتب الشهير برنارد شو ليست في أنّ أحداً لا يُصدّقه وإنما في أنه لا يُصدّق أحداً فيرى الناس بعين طبعه وليس أسوأ في نظري من الكذب والكذابين .. وبداية شرارة عادة الكذب تبدأ من الصغر فإن نشأ الطفل في بيئة يُمارس فيها أفراد أسرته الكذب فإنه بالتالي قد يتطبّع بهذه العادة المقيتة ويصبح كذابا بالاكتساب، وحتى بعد أن يكبر الصغير ويعرف أن حبل الكذب قصير يستمر في الكذب بكل ألوانه وأهدافه لأنه يصعب التخلّص من هذه العادة. ليس من الضرورة أن يعايش الطفل كذب الآخرين بشكل مباشر ليتبعهم حذو القذّة بالقذّة إذ يكفي أن يطلب أحد أفراد الأسرة من الصغير أن يرد على الهاتف ويعتذر بأن المطلوب غير موجود وهو ماثلٌٌ أمامه أو أن يُجيب طارق باب المنزل كالديّان ومُحضر الشرطة أو الزائر الثقيل بأن والده أو أخاه غير موجودين ليضع حجر الأساس لمسيرة طويلة من الأكاذيب ومن شبّ على شيء شاب عليه. من الأخبار التي قرأتها مُؤخراً في الصفحة الأخيرة من هذه الجريدة حكاية طفلة ألمانية سلّمت والدها للشرطة لأن أبويها نهياها عن الكذب وعواقبه ، وكان الأب قد اختبأ من الشرطة عقب هروبه منهم بعد ضبطه متجاوزاً السرعة المحددة وعند وصول الشرطة لمنزله والسؤال عنه أخطرت زوجته أن زوجها ليس موجوداً بالمنزل ولكن ابنتها ذات الثلاثة أعوام قاطعت أمها وأخبرت الشرطة أن والدها موجود وقادتهم إلى مكان اختبائه. وعلق الأب الذي يواجه تهمتيْ تجاوز السرعة المسموح بها، وانتهاء فترة صلاحية رخصة القيادة على تصرّف ابنته بقوله " لستُ غاضباً منها، فقد علّمتها أن الكذب لا يُفضي إلاّ إلى الشر وكنّا أنا وأمها نحذرها دائماً من عواقب الكذب " يعتبر العرب الكذب نقيصة الرجال فقال شاعرهم : ودعِ الكذوب فلا يكن لك صاحِباً إن الكذوب لبئس خِلاً يَصْحَبُ