نحن سعوديون. أحد الأشياء التي تشعر فيها بأنك سعودي ليس أنك تحمل الجنسية أو تتواجد على أرضها ولكن الوعي بوجودك ووجود مجتمعك والمستقبل الذي تريده لمثل هذا الوجود. نحن نتواجد في بلد قوي يسعى للتقدم والازدهار، ونريد أن نصبح أكثر قوة و تطوراً ومعرفة، ونتمنى أن نصنع مستقبلا باهرا وناجحا لأطفالنا. بطريقة أخرى، نتمنى أن تصبح السعودية خلال 50 عاما مليئة بالمدن الصناعية و الجامعات العالمية و ناطحات السحاب و الصحف والتلفزيونات الكبيرة. ربما هذا هو الوعي الذي يحلم به الكثير من السعوديين وان اختلفوا بالتفاصيل الصغيرة. ولكن للأسف أننا فقدنا مثل هذا الوعي الهام في مراحل كثيرة من تاريخنا وذلك بسبب وجود الحركات الثقافية المتشددة التي اكتسحت عقولنا وأبدلت مثل هذا الوعي الإنساني الطبيعي الذي يسعى إلى التقدم إلى وعي غريب يسعى إلى التأخر. وكانت نموذج هذه الحركات الأبرز على الأرض هي طالبان التي سعت هذه الحركات لتلميع صورتها كواقع أو كفكرة في عقولنا وعقول صغارنا. لقد أرادت هذه الحركات أن تنتزع منا وعينا السعودي بكوننا بلد ومواطنين يسعون إلى التطور والازدهار والانفتاح واستبدلته بوعي طالباني يرى النجاح والسعادة والتقدم في التطرف والانغلاق والتأخر. ولكن لنر كيف تمت محاولة «طلبنة» عقولنا وتحويلنا على مستويات متعددة من الانطلاق إلى المستقبل إلى الانطلاق إلى الماضي. هذا الوعي بالطبع تم إدخاله إلى وعينا السعودي مثل المحاولات الأولى لمنع المرأة من التعليم التي فشلت، ولكن الوعي الطالباني تسرب إلى مناهج التعليم والطرق الإدارية في تعامل الطالبات بعد ذلك. في طالبان تم تنفيذ واقعياً الفكرة القائلة بأن المرأة مخلوق ضعيف ومغوي لذا لا يجب عليها التعلم، ولكن لدينا لم يحدث ذلك واقعياً ولكن تم نقل الفكرة إلى عقول الطالبات من خلال المناهج والمدرسات الملتزمات بالطريقة الطالبانية لذا فأصبحت مثل هذه الأفكار تسكنهن الأمر الذي جعلهن ينعزلن ويشعرن بالخوف وعدم الثقة بأنفسهن ويذهبن إلى أعمال معينة ومحددة لا تتواجد فيها إلا النساء. لقد نجح الوعي الطالباني بفرض طريقته ولكن بطريقة أخرى. الوعي الطالباني هو الذي يجبر المرأة على الجلوس في البيت وعدم الخروج إلا في أضيق الظروف، ويقوم ملاحقتها وضربها أمام الناس، ومراقبة أزيائها، وإجبارها على تغطية وجهها، واعتبارها في النهاية فتنة مغوية ومواقع الانترنت تحمل العديد من المشاهد المهينة للنساء الأفغانيات هناك. وعلى الرغم من أن مثل هذا الوعي يعاكس وعينا المحلي تاريخياً الذي لم يكن بالتأكيد يحترم المرأة كإنسانة ولكنه على الأقل لا يهينها علنيا. ولكن الوعي الطالباني مرة أخرى اخترق حياتنا وأصبحنا نشاهد مشاهد الإهانة والتدخل بشكل سافر وعلني في خصوصيات النساء وبين الرجل وزوجته أو أخواته. قضية منع تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا هي صادرة من الوعي الطالباني الذي لا يشغله الأهمية القصوى لتعلم اللغة الأنجليزية من أجل مساعدة الطالب على التفوق والازدهار في المستوى العلمي والمهني كما يحدث في كل مكان آخر حتى في الدول الفقيرة. في طالبان يمنع تعليمها من أجل الأوهام السخيفة بأنها لغة «الكفار»، وهم في النهاية لا يؤمنون بفكرة أن تعلم اللغة ستساعد على ازدهارهم وتفوقهم بل على العكس. ولكن مثل هذه العقلية المتطرفة الساذجة هي التي سنت القانون الذي يمنع اللغة على الرغم من أضراره بمستقبل بلدنا الذي يكمن ازدهاره بتفوق واكتساب أبنائه المعرفة الحديثة واللغات القوية، ولكن مع ذلك فإن الوعي الطالباني يتدخل في حياتنا بشكل كبير. على الرغم من وجود عدد كبير من غير المسلمين في بلدنا الذين يثرون حياتنا ويساعدوننا في المستشفيات والجامعات والمصانع إلا أنه مازال الوعي الطالباني الذي لا يتسامح معهم هو المؤثر على عقولنا ناحيتهم. وعلاقتنا مع المختلفين معنا دينياً ليست رائعة فقط داخل المملكة ولكن خارجها حيث يدرس أولادنا في الخارج ويحصلون على معاملة وتعليم رائعين ويعودون لينفعون بلدهم. وعينا السعودي يدرك أهمية التعاون والتشارك البشري الذي يلمسه واقعياً، ولكن الوعي الطالباني يرفض مثل هذا التعاون ويحلم بأرض مثل طالبان يتواجد فيها ليس فقط المسلمون ولكن المتشددين منهم. الحرب على الفنون بالطريقة التي تحدث باستمرار بالهجوم على المسرحيات والندوات والمعارض هي كلها تأتي في هذا السياق الطالباني الذي لا يكفيه أن يعترض على شيء ولكنه يسعى إلى تخريبه وتحطيمه بالأيدي كما حدث في أكثر من مناسبة. كما أن مراقبة الوعي والضمائر هي من أهم سمات «الطلبنة» التي تم تطبيقها لدينا. ولكن إذا كانت مثل هذه الحركات الثقافية التي سعت لتحويلنا من سعوديين إلى طالبانيين نجحت في ترسيخ قيمها بعقولنا إلا أنها لم تستمر في ذلك ولأكثر من سبب. السبب الأول هو أن السعودية ليست طالبان فهي بلد قوي و يسعى إلى المنافسة والازدهار وصنع مستقبل قوي في العالم وهذا لا يأتي إلا بالانفتاح والتعاون والمشاركة. يتضح ذلك من الجامعات الحديثة والقوية التي تتبنى أحد المناهج العلمية، وكذلك الموجات الكبيرة من الابتعاث في الخارج. الناس باتوا يدركون أهمية تعلم اللغة الإنجليزية لمستقبل أولادهم ولم يعد يهم ترهات المتطرفين، كما أن أوهام عمل المرأة في المستشفيات أو كشف الوجه أو الزي بدأت بالانقشاع تدريجياً. السعوديون باتوا يشكلون وعياً جديداً جيداً عن الفنون، ويكرهون أن يتدخل أحد بخصوصيتهم لذا يشعرون بالسعادة في السفر ومؤخراً لمست شخصياً مثل هذه السعادة في معرض الكتاب حيث لا يتدخل أحد بشؤون الآخر. كما أن هناك نزعة تحريرية واضحة في الأجيال السعودية الصاعدة وهو بالتأكيد يتعارض مع أي قيم طالبانية قمعية. نحن سعوديون. يكفي على الأقل أن نتفق على الأشياء التي ندرك جميعاً أنها ستساهم بتطورنا وازدهارنا. الاحترام والتعاون والانفتاح وتعلم اللغات والتسامح. كل هذه القيم ساهمت في نهضة العديد من البلدان. أما طالبان فقد عارضتها وهي الآن في ذمة التاريخ. الفرق بين السعودي والطالباني هو أن السعودي يتمنى أن تمتلأ بلده بناطحات السحاب والجامعات الحديثة أم الطالباني فيتمنى أن تمتلأ بالكهوف والموتى.