يعيش الفرد في هذه المعمورة المملوءة بالصراعات حالة من القلق اليومي حيال ما يواجهه من إشكاليات خطيرة فمن الصراع على شكل مساحة كبيرة من معادلات وأحداث وكوارث أضرت بالمنطقة على مدى تاريخها المعاصر حتى قلق هذه الأيام الذي يفوق البترول وإن ارتفع ثمنه وهو «الماء» الذي به نحيا وفي حالة شحه نترجى أصحاب (الوايت) المساعدة بما يحددونه من أسعار. ولأن مشاريع تحلية المياه في المملكة اراحتنا من عناء البحث عنه وهو جهد مقدر وإدارك لقيمة الماء في حياة الإنسان والحيوان والنبات قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) وتشير الدراسات إلى نقصان المياه منذ 200 سنة وقد زادت سرعة النقصان بشدة وبطريقة ملحوظة تبعث على القلق منذ 50 عاماً.. إذ يقول الكاتب رضا محافظي: «إذا علمنا أنه بالموازاة مع نقصان هذه المادة الحيوية، فإن استهلاكها سريع جداً وبكميات كبيرة مقابل آليات استرجاع بطيئة جداً لكميات قليلة وكلفة باهظة لهذا تحول هذا الموضوع إلى قضية مهمة ومركزية في التنمية الوطنية لأي بلد ومن أجله عقدت المؤتمرات والندوات وشرعت الدول بتوزيع منشورات توعوية تتحدث عن الماء وضرورة المحافظة عليه بتقنين استخدامه حتى لا تشارك الشعوب في إهدار كميات منه بلا فائدة. فإذا كان «النفط» كمصدر للطاقة قادنا لنزاعات وفقدان مئات الآلاف من الأرواح فكيف يكون حال الكرة الأرضية والبشر من فوقها وهم يتصارعون على «مصدر الحياة»؟ إذن العالم سيشهد تحولات خطيرة خصوصاً في الشرق الأوسط إذ يقول الخبير الأمريكي توماس ناف «إن المياه في الشرق الأوسط قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتمتد لأن تصبح مصدراً محتملاً للصراع، وهو ما يجعلها ذات بعد عسكري»!وقد عرض الأستاذ إبراهيم غرايبه استعمالات المياه في الوطن العربي وقال إنها تقع في ثلاثة مجالات معقدة تحتاج لاستثمارات مالية كبيرة لإنشائها وتشغيلها، وقد مولت البنوك الدولية من 1960، إلى 1990 مائة مشروع مائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحوالي 6.4 مليار دولار، وتشير تقديرات المعهد الدولي للموارد عام 1992م إلى أن الاستثمارات في قطاع المياه تمثل 10% إلى 20% من الاستثمارات الحكومية ويقدر المعهد نصيب الفرد من إجمالي الإنفاق على المشروعات في المنطقة بحوالي 100 إلى 200 دولار أمريكي! ومن المفروض أن يزيد حجم الموارد السطحية ليصل إلى 256 مليار متر مكتب عن طريق مشروعات الري والسدود مثل قناة جونقلي في جنوب السودان! ولا بد من الإشارة إلى أن 67% من مياه الأنهار في البلدان العربية تأتي من خارجها فنهر النيل ينبغ من اثيوبيا (النيل الأزرق) وبحيرة فكتوريا «النيل الأبيض» ويمر ب 9 دول افريقية ونهرا الفرات ودجلة ينبعان من الجبال الواقعة شمال تركيا ويمر الفرات عبر سوريا ثم العراق. ومشكلة المياه في الوطن العربي على وجه التحديد ذات أبعاد كثيرة لقلة الموارد المائية المتجددة، وقلة المطر وما تمثله الصحاري من 43% من إجمالي المساحة ويمكن توزيع الموارد المائية بالتأكيد على أن حوالي 80% مناطق مناخية جافة أو شبه جافة وتتسم بسقوط متذبذب للأمطار فقد أشار الكاتب الموريتاني عبدالله لكحل أن مساحة الوطن العربي تمثل 10.2% من مساحة العالم وموارده المائية لا تمثل سوى 0.5% من الموارد المائية المتجمدة العالمية، كما لا يتجاوز معدل حصة الفرد العربي حالياً 1000 متر مكعب سنوياً مقابل 7000 متر مكتب للفرد كمتوسط عالمي. ورغم ضعف مستوى حصة الفرد فإن القراءات الاستشرافية تشير إلى أن هذا المستوى سوف ينخفض إلى حدود 460م2 في السنة بحلول عام 2025م وسيصبح أكثر من نصف الوطن العربي تحت خطر الفقر المائي.. وهنا نشير إلى ضرورة ترشيد استخدام الموارد المائىة المتاحة عربياً والحاجة الملحة إلى العمل على توفير المزيد من هذه الموارد وهو ما يستوجب تكافل الجهود وتكاملها من أجل الحد من سوء استغلال المياه! ولعل مصادر المياه التقليدية كالأمطار تقدر مواردها السنوية بين 2100 إلى 2300 مليار متر مكتب، وتراوح المعدلات السنوية لهطول الأمطار من 250 إلى 400 ملم وقد تتجاوز ألف ملم في بعض المناطق، و60% من مياه الأمطار تسقط في فصل الصيف معظمها في حوض السودان واليمن وموريتانيا و40% من مياه الأمطار تهطل في فصل الشتاء في بلاد المغرب العربي وبقية الدول العربية المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. ومعدل موارد المياه المتجددة سنوياً في العالم العربي بنحو 350 مليار متر مكتب، منها 125 مليارا م2، أي 35% تأتي عن طريق الأنهار من خارج المنطقة و38 مليار م2 من نهر دجلة وفروعة! ولا بد من التأكيد أن الماء هو «الطاقة الحيوية» المهمة للإنسان لأنه يدخل في جزئيات مكوناته حيث يذكر المهندس خليل جابرتي في دراسة له استفدت منها أن الماء يكون 85% من دم الإنسان، 82% من كليته، 75% من عضلاته، 74% من مخه، 69% من كبده، 22% من عظامه! والفرد يحتاج إلى ما مقداره 2.4 لتر ماء يومياً، والشرب ليس الوسيلة الوحيدة لحصول جسم الإنسان على الماء، بل هناك الماء الموجود في الأطعمة واللحوم وغيرها كما أن جسم الإنسان يستخدم الماء في قيامه بعمليات التنفس والتمثيل الغذائي وتنظيم حرارة الجسم وإذابة المواد الغذائية والمحافظة على توازن مستوى الحموضة والتركيز اللازمين للتفاعلات الكيميائىة داخل الجسم! ونحن في منطقة الخليج على وجه الخصوص نعاني شح الماء لوجود دولنا في منطقة صحراوية جافة، فلا يوجد هناك أنهار جارية، وإنما يقتصر الأمر على السيول والأمطار، ومن المعروف أن سكان هذه المنطقة تضاعفوا خمس مرات خلال العقود الأربعة الماضية، كما يؤكد الكاتب علاء الدين سرحان أن العبء المالي يثقل ميزانيات الدول الخليجية لأنه باختصار لا يوجد حالياً بديل آخر غير تحلية مياه البحر على قول الأستاذ محمد قنبر ممثل وزارة الماء والري البحرينية، فالعيون والآباء محدودة ولكن بالرغم من التكلفة العالية لهذه الوسيلة حالياً، يتوقع المهندس حسين إبراهيم أن تصبح مستقبلاً أقل تكلفة! نعم لا حياة بلا ماء.. كما يقول الأستاذ مغاوري شلبي وهو يرصد أهم تحديات الأمن المائي العربي إذ يقول: هناك درجة كبيرة من الاتفاق حول عدد من التحديات التي يمكن إجمالها في التالي: - محدودية الموارد المائية العربية المتجددة وتراجع نصيب الفرد العربي من المياه. - المياه المشتركة مع الدول الأخرى. - اطماع إسرائيل في السيطرة على الموارد المائية العربية. - تدني إنتاجية وحدة المياه بسبب عدم كفاءة الاستخدام. - تدهور نوعية الماء بسبب التلوث الناجم عن الاستخدام الآدمي. وبعد رصد هذه التحديات تم اقتراح بعض الأساليب لمواجهة تحديات الأمن المائي العربي تتمثل فيما يلي: وضع هدف استراتيجي عربي يحقق التكامل بين الدول العربية، والدعوة إلى عقد قمة عربية مائية، وتشكيل لجان فنية تقوم بالوساطة لحل الخلافات إن وجدت بين الدول العربية التي تتقاسم بعض الأنهار، والاهتمام بالدراسات والبحوث العربية السابقة في هذا الموطن والربط بينها وبين مشاريع البعض المقترحة وربطها بالمجال التطبيقي، ولا بد من وضع قضايا المياه على قمة قائمة اهتمامات الحكومات والشعوب، وزيادة الوعي، والعمل على وضع صيغ قانونية تؤكد الحق العربي في المياه التي تأتي من خارجه. والتركيز على زيادة الاستفادة من المياه الحالية وتقليل الفاقد منها وزيادة انتاجية وحدة المياه، ووضع رؤية مشتركة بشأن قضايا مهمة مثل تسعير المياه، بنوك المياه، بيع المياه، نقل المياه خارج أحواض الأنهار الدولية والمواجهة الجماعية للإطلاع والسياسات التي تهدف إلى سلب العرب حقوقهم وتشجيع المستثمرين العرب على زيادة استثماراتهم وخاصة في مشروعات التحلية!وبعد قد نختلف في النسب وتقدير الاحصائىات وهي وإن وجدت فإن المصدر المؤكد لها غير متوفر ولكننا نعتمد في مقالاتها على بعض الكتابات والحبوث ونتائج المؤتمرات والاجتهاد الفردي وأشير إلى ضرورة المداخلات أو الكتابة في هذا المجال بهدف إشاعة ثقافة جديدة، ندرك خطرها. وخطرها لن يكون أسهل من الحروب المدمرة لكياناتنا.. لهذا أطالب «الضمير» الحي بالتطرق للمياه وتسليط الضوء على أهميتها والخطر القادم نحونا نتيجة شحها، كما أطالب المهتمين بالمياه والحريصين على الأمة وخصوصاً أولئك الإخوة من المتخصصين في هذا المجال.. بضرورة الكتابة وإشاعة ثقافة الحرص على المياه لأنه باختصار.. لا حياة بلا ماء..!!