اكد الدكتور رضوان الوشاحي المستشار الإقليمي لليونسكو لشؤون المياه والمسئول عن قناة البحرين أن منطقة الخليج العربي تعاني ازمة مياة هي الاكثر تعقيدا في العالم، خاصة بعد ان وصل نصيب الفرد الخليجي الى 1035 مترا مكعبا سنويا. وقال الوشاحي ان هناك اكثر من 50 مليون عربي محرومون من شربة ماء نظيفة وان 80 مليون عربي يشربون مياه الصرف الصحي، مشيرا الى ان دول الشرق الاوسط في حاجة الى 400 مليون دولار لإنقاذ الموقف، مبينا في الوقت نفسه ان الكيان الإسرائيلي أجج مفهوم حرب المياه عندما ضرب الشركة المصرية المقاولين العرب عام 1967، وان اجتياحها لجنوب لبنان والجولان يؤكد على انها اتخذت من المياه استراتيجيات للحرب. اليوم التقته لتطرح عليه العديد من المحاور من خلال الحوار التالي: -في البداية.. هل تعتقد حقا ان العالم مقبل على حرب مياه وان اول من سيضار من هذه الحرب الشرق الاوسط؟ جميع المؤشرات للأسف تؤكد على ان العالم بصفة عامة والشرق الاوسط بصفة خاصة يعاني من ازمة مياه، والجميع اصبح يعلم ان امدادات المياه العذبة لن تواكب الطلب العالمي بحلول عام 2040 الامر الذي ينذر بالمزيد من عدم الاستقرار السياسي ويعوق النمو الاقتصادي ويعرض أسواق الغذاء العالمية للخطر، موضحا ان جميع التقارير الدولية تؤكد ان الوطن العربي سيواجه ازمة مياه حقيقية تعوق القدرة على انتاج الغذاء وتوليد الطاقة، والى الدرجة التي قد تؤدي الى نشوب «حرب مياه» خلال السنوات العشر المقبلة. لا يجب أن نلوح بالقوة، المشكلة أكبر ما يمكن أن تحلها الحلول العسكرية، فجميع مواطني حوض النيل يعلمون انهم يعيشون مشاكل مشتركة وهناك فنيون وباحثون يحاولون اقناعهم للتعاون في حلها، وإذا نجح الفنيون والباحثون في أن يصدروا للسياسيين فكر التعاون البناء فسيطمئنون ويثقون في قدرات أبناء الحوض من مختلف الجنسيات. - ما اكثر الدول العربية تأثرا بهذه الازمة؟ اكثر الدول العربية التي ستتأثر بالطبع فلسطين وسوريا والعراق والاردن ومنطقة حوض النيل، خاصة وان المياه في الاحواض المشتركة ستستخدمها الدول على نحو متزايد للضغط على جيرانها. الاسباب العشرة - ولكننا في العالم العربي نمتلك العديد من مصادر المياه ورغم ذلك نعاني من مشكلة حقيقية؟ هناك اسباب منطقية لندرة المياه في العالم العربي، ونحن نطلق عليها الاسباب العشرة ، اولها طبيعي يتمثل في وقوع عالمنا العربي في مناطق جافة تتميز بهطول مطري متذبذب وقليل بل ويقل عن 2 ملم في القاهرة على سبيل المثال، والثاني أن الوطن العربي نفسه يقع في مناطق شحيحة المياه، فعلى الرغم من أن مساحته تصل إلى 10% من سطح اليابسة إلا أن حصته من موارد المياه لا تتجاوز 1.5% من الموارد المائية العالمية، والثالث يرتبط بالتبخر الشديد الذى يصل إلى 4 امتار كمعدل سنوي، والرابع خاص بالموارد المائية نفسها ويأتي ما يعادل 70% منه من خارج الوطن العربي الذي يعتبر دول مصب تقع تحت سيطرة دول تحاول أن تسيطر عليها مثلما يحاولون الآن في نهر النيل والأردن ودجلة والفرات، والخامس اجتماعي يرتبط بطبيعة حياة العالم العربي الذي يعتمد على الزراعة التي تستهلك ما بين 65 – 85% رغم انها لا تساهم سوى في 10% من اجمالي الناتج السنوي، والسادس نظام الحياة نفسه الذي تغير بتطور الحياة العربية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، والسابع له علاقة بقلة الاستثمارات العربية في تكنولوجيا المياه وقلة الاهتمام بتوفير أجهزة ترشيد المياه وعدم الاهتمام بصيانة شبكات المياه، والثامن السياسة المشتتة لعشرات الهيئات الحكومية والوزارات العربية وهذا يعني سوء الإدارة في أزمة المياه فما بين الزراعة والري والكهرباء والمحليات والبيئة تضيع القضية قطرة قطرة مثلما تضيع المياه ، والتاسع له علاقة بعدم وجود أي تنسيق مركزي بين قطاعات المياه سواء الإدارية أو حتى البحثية فخرجت الخطط والاستراتيجيات إما مكررة أو غير محددة الاولويات، وأخيرا التغيرات المناخية التي تؤكد الأبحاث على اننا نتعرض لسيناريوهات خطيرة من ارتفاع في درجة الحرارة وارتفاع منسوب المياه وغمر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية كما يحدث للدلتا في مصر وتأثيرها السلبي على المياه الجوفية. - معنى هذا أن الأزمة مستحكمة ولا يوجد لها أي حلول في الوقت الحاضر؟ ليس إلى هذا الحد، نحن فقط نريد أن نبدأ محاولة إيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها المياه العربية، نحن في حاجة إلى كوادر عربية مدربة، فعلى الرغم من وجود الآلاف من الموظفين في قطاع المياه إلا انهم ليسوا مدربين على التعامل مع قضية أزمة المياه، وحتى هذا الموظف أو المهندس المتخصص ينظر إلى أزمة المياه على أنها جزء علمي وليست لها أي علاقة بالطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية والسياحية للوطن العربي، وبالتالي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند دراسة أزمة المياه والدول العربية يجب أن تعرف ان أمامها تحديدات كبيرة جدا، ونحن كخبراء ومختصين نرى أن الصورة ليست بهذا السوء فهناك دائما أمل في خبراتنا، ونستطيع أن نتكيف من خلال الاستعانة بخبراتنا لايجاد حلول طويلة الأمد لمشاكلنا المائية عن طريق الاستثمار في المياه وتدريب القدرات وتوعية المواطن العربي بأهمية ترشيد المياه ووقف الاستنزاف في الموارد المائية، باستخدام أحدث التكنولوجيات كتحلية مياة البحر ونقل المياه، لحل أزمة المياه التي يمكن أن تؤثر على التنمية والاقتصاد. - ولكن هذا لا يعني اننا بالفعل نعيش أزمة مياه؟ - لا ننكر ذلك.. فنحن نعلم جيدا أن أعداد المحرومين من شربة مياه نظيفة يتضاعف سنويا حتى وصل إلى 50 مليون عربي بالإضافة إلى تضاعف أعداد العرب الذين يشربون مياها مختلطة بمياه الصرف إلى 80 مليون عربي يمثلون 40% من الشعوب العربية، وحقيقة أمام الدول العربية مهمة ليست سهلة لتخفيض أعداد المحرومين من مياه الشرب حتى عام 2015 لأنه يتطلب استثمارات سنوية في مجال المياه تتراوح بين 120 إلى 400 مليون دولار ورغم ضخامة المبلغ إلا أن العائد منه يفوق 10 أضعاف الاستثمارات المدفوعة. أكثر تعقيدًا وخطورة - هل تعتقد ان الخليج دخل في دائرة أزمة المياه خاصة وانها اراض صحراوية؟ ام ان الرعي الجائر ساهم في وجود ازمة؟ دول الخليج من اوائل الدول التي انتبهت بطبيعة ارضها الصحراوية الى اشكالية المياه العذبة، فقد عرفوا ان المنطقة العربية من افقر المناطق في العالم من حيث الموارد المائية، لذلك اعتقد ان الوضع بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي يبدو أكثر تعقيدًا وخطورة, حيث تواجه دول المجلس مشكلة حقيقية في شح موارد المياه، وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة ومحددة عن واقع المياه في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن جميع التقديرات قد أجمعت على وجود أزمة شح حقيقية في مواردها المائية، حيث يتراوح إجمالي الموارد المائية المتجددة لدول المجلس نحو 10 مليارات م3 سنويًا حسب بعض التقديرات الرسمية، وهي موارد على هيئة أمطار وسيول ومياه جوفية ومياه مختزنة خلف السدود في المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة العربية وبعض مناطق سلطنة عمان, إلا أنها في جميع الأحوال لا تمثل نسبة أكثر من 3% من مجموع الموارد المائية العربية المتجددة، وتعتمد دول المجلس بصورة شبه كاملة على المياه الجوفية في ظل امتلاكها لمخزون استراتيجي من الموارد المائية الجوفية قدر بنحو 361.5 مليار م3 سنويًا طبقا للإحصاءات الصادرة عن المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، وتمثل هذه الكمية نحو 6.4% من إجمالي مخزون المياه الجوفية في البلدان العربية. - وما الأسباب الحقيقية لأزمة المياه في الخليج؟ هناك عدة أسباب لأزمة المياه في دول الخليج، أهمها ندرة موارد المياه العذبة السطحية والجوفية، بسبب عوامل الموقع والتكوين الجغرافي حيث تقع دول شبه الجزيرة العربية في مناخ صحراوي شديد الجفاف والتصحر ومن ثم تعد نسبة المياه المتوافرة من سقوط الأمطار محدودة جدًا وغير منتظمة, ولذلك فالمياه السطحية في دول المجلس تكاد تكون معدومة، إذ لا يوجد في الجزيرة العربية أي أنهار، كما أن الكميات التي تمتلكها هذه الدول من مخزونات مائية جوفية، أصبحت في تناقص مستمر بسبب الاستنزاف الكبير لها خلال العقود الثلاثة الماضية، كما أن ارتفاع الطلب على المياه يعد أحد أهم أسباب أزمة المياه في منطقة الخليج، حيث ارتفع الطلب على المياه في جميع دول المجلس من 6 مليارات متر مكعب عام 1980 إلى أكثر من 37 مليار م3 في عام 2010، ما أدى إلى وجود عجز مائي يصل إلى حوالي 28 مليار متر مكعب تتم تغطيته بواسطة سحب المياه الجوفية والتوسع في بناء محطات التحلية، إلا أن التحدي الأهم في ذلك هو خفض معدل استهلاك الفرد الخليجي، وبشكل عام فإن متوسط استهلاك الفرد في منطقة الخليج من المياه يبلغ حوالي 1035 مترًا مكعبًا سنويًا وإذا ما استمر هذا المعدل من الاستهلاك، فإن دول المجلس ستكون في حاجة إلى ما يقارب 49 مليار م3 من المياه سنويًا بحلول عام 2025. - أكدت على ضرورة التنسيق العربي في التعامل مع اشكالية المياه، فهل تعتقد أن فشل الوحدة العربية بشقيها السياسي والاقتصادي القى بظلاله على التنسيق في مسألة أزمة المياه؟ على العكس من ذلك .. فنحن نتعامل مع الخبراء والباحثين العرب ومع الحكومات، وعندما نتعامل مع قطاع المياه هناك اجماع عربي على أن هناك مشكلة وتحديا كبيرا للمياه وهناك اجماع على ضرورة حل هذه المشكلة، لكن التفاصيل دائما هي المشكلة، فبعض هذه التفاصيل تتطلب تنسيقا وتعاونا أكثر، وان كنا العام الماضي قد نجحنا لأول مرة لحسن الحظ في انشاء المجلس الوزاري العربي لوزراء المياه العرب ليكون تابعا لجامعة الدول العربية وعقد أول اجتماعاته في مدينة الجزائر في شهر يونيو الماضي، ووضع اولويات عربية منها استراتيجية عربية للموارد المائية وأدوات الإدارة العربية لازمة المياه وأيضا الأمن المائي العربي والاعتداء الخارجي على الموارد المائية العربية، ويقصد بها الدول التي بينها وبين الدول العربية عداء، وقد سبق ذلك تشكيل مجلس أهلي وهو المجلس العربي للمياه ويضم خبراء من معظم الدول العربية، وكان الهدف منه انه يكون زراعيا بحثيا لنصح الدول العربية كيف توحد جهودها في المحافل الدولية، وان كان حاليا في وجود هذا المجلس الوزاري الرسمي الذي ينعقد تحت مظلة جامعة الدول العربية هناك أمل في أن يتم التنسيق والتعاون قبل الاتفاق علي أي قرار فردي. - وما أهم العقبات التي تواجهكم في التعامل مع الدول العربية في قضية المياه؟ لا تواجهنا أي عقبات ولكنها مجرد تحديات، فالمصلحة العامة تقتضي التعاون في هذا المجال. - هل يمكن للسياسة أن تجهض عملكم؟ بالطبع .. ففي اخر المطاف صناع القرار هم المعنيون بالأمر، فنحن نعمل في المطبخ الخلفي ونحضر وجبات ووصفات لصناع القرار وقد يأخذ هذه الوصفة أو لا يأخذ بها طبقا لاولوياته أو أجنداته السياسية، وبالتالي قد تتقاطع أو تتعارض معها. قناة البحرين - هناك قضية ثانية شغلت الرأي العام العربي لسنوات طويلة وهي قضية قناة البحرين، ما هذه القناة؟ اعتقد انه بنظرة بسيطة إلى الخريطة نجد أن ناقل البحرين وليس قناة، وهو عبارة عن خط ناقل بين خليج العقبة والبحر الميت المغلق، وبالتالي ليس هناك نقل لأنه غير متصل بالبحر المتوسط، وهذا يعني أن فكرة أن تصبح القناة بديلا لقناة السويس غير واردة على الإطلاق، ومن يتحدث عنها لا يعرف جغرافيا المنطقة. - هل تعتقد أن هذه القناة ستعيد الحياة إلى البحر الميت؟ - ولم لا.. فنحن عندما فكرنا في انقاذ هذه البحيرة التاريخية، فكرنا في عدة بدائل لتوصيل المياه إليها، وكانت احدى هذه البدائل جر المياه من خليج العقبة والاستفادة من فرق المنسوب في توليد الطاقة والتحلية . - قلت انه احد البدائل، فما البديل الآخر؟ كان هناك مشروع اخر في الستينات من القرن الماضي وهو عبارة عن قناة بين البحر المتوسط والبحر الميت، وهذا يتم داخل إسرائيل وتمت مقاومته من الدول العربية كلها لتحكم إسرائيل فيه ولا يحقق أي فائدة تذكر وله محاذير كثيرة، لذلك وجدوا في وادي عربة بديلا مناسبا لأنها منطقة أسهل ولا توجد بها أي سلاسل جبلية. - وبالنسبة للدراسات التي تتم من يشارك فيها؟ - البنك الدولي بالطبع مشارك رئيسي في هذه الدراسات، وهناك أيضا الدول المباشرة وهي الأردن وفلسطين وإسرائيل، بالإضافة إلى الدول التي تحضر بصفة مراقب وعلى رأسها مصر التي أرسلت وفدا رفيع المستوى إلى الأردن لبحث الدراسات على ارض الواقع، وأيضا السعودية التي أرسلت هي الاخرى وفدا لتخوفها من تأثيرات هذا المشروع على خليج العقبة، وكل من يكون له رأي يطرح، ونحن لا نقول أبدا أن المشروع يجب أن يتم، لكننا كخبراء نقول ان هذا بديل يجب أن يدرس جيدا لمصلحة جميع الإطراف وعلى الأخص الأردن وفلسطين. - ولماذا التأخير طوال هذه السنوات الطويلة إذا كان بمثل هذه الأهمية؟ كيف نبدأ والسلام لم يتحقق بعد في المنطقة، لقد كان ثمرة من ثمار مشاريع السلام التي كانت متوقعة بعد اتفاقيات السلام سواء اتفاقية اوسلو أو اتفاقية الأردن، ولكن لتعثر السلام بين جميع الأطراف تعطل هذا المشروع التنموي. - هل تعتقد أن السلام غير العادل يمكنه أن يضر بالمصالح المائية العربية؟ بالطبع.. فالسلام غير العادل غير مستقر وبالتالي يؤثر في الاستثمارات العربية والأجنبية التي تحتاج إلى استقرار لتنمو. - عدنا مرة ثانية إلى نفس المفهوم، فهل تعتقد أن الحرب القادمة في المنطقة ستكون حرب مياه؟ - بالتأكيد.. وان كانت هذه الحرب قد اشتعلت قديما، فقبل حرب 67 كان هناك مشروع عربي لبناء سد على نهر الأردن لمنع إسرائيل من الاستفادة من المياه العربية وبالفعل ذهبت شركة المقاولون العرب المصرية إلى الأردن ولكنه ضرب بالصواريخ، فالمياه من استراتيجيات الحرب بالنسبة لإسرائيل، وظهر ذلك في اجتياحها لجنوب الأردن ولهضبة الجولان ولنهر الاردن. حوض النيل - باعتبارك مدير مشروع السلام بين دول حوض النيل كيف ترى الأزمة المستحكمة بين دول حوض النيل حول حصص المياه؟ في الحقيقة لقد صدمت عندما علمت بتصاعد الأزمة بين مصر والسودان من جهة وبين بقية دول حوض النيل من جهة أخرى، فهذه الأزمة تهدم عمل وجهد عشر سنوات مضت على مشروع السلام بين دول حوض النيل، تسببت في عدم توقيع اتفاقية الإطار المؤسسي للتعاون بين دول الحوض على مدى عدة اجتماعات للوزراء المعنيين في هذه الدول. - وإدارتكم في اليونسكو أليس لها أي دور في دول منبع الأنهار، أين دورها في أزمة حوض النيل؟ من قال هذا لنا دور بالطبع في هذه الأزمة، وهناك بالفعل مشروع اسمه مشروع «أصدقاء النيل» ويعمل تحت رئاستي بشكل مباشر، وبدأ منذ تسع سنوات تحديدا عام 2001، وهو مشروع بحثي يتعاون فيه باحثون من دول الحوض في إجراء البحوث والدراسات لمشاكل مشتركة تهم دول حوض النيل، واستطعنا من خلاله بناء جسور الثقة والتعاون وتبادل المعلومات والمعرفة والبيانات بين الباحثين لأغراض بحثية. - وهذا المشروع بالطبع تم تنفيذه خصيصا لأزمة حوض النيل؟ ليس بالضبط فالإدارة داخل اليونسكو معنية باشكالية المياه على المستوى العالمي، لذلك أنشأت برنامجا دوليا باسم البرنامج الهيدرولوجي الدولي وهو برنامج شبه حكومي يهدف إلى رفع حالة المعرفة فيما يخص الدورة الهيدرولوجيه وتداخلاتها المختلفة من خلال إجراء البحوث التطبيقية والتدريبية ونقل المعرفة، والدول نفسها تقوم بتصميم هذه البرنامج لأنه برنامج حكومي، ونحن في نهاية الأمر إدارة علوم نُحسن حالة المعرفة ونساعد الدول في بناء القدرات في التعامل مع المشاكل. - وماذا عن النزاعات نفسها؟ لدينا برامج في حل النزاعات المائية والتعاون المائي، وهناك برنامج ضخم على مستوى اليونسكو وهو برنامج «الماء والسلام» ويساهم في إرسال رسالة مفادها أن الماء عنصر مهم من عناصر التواصل بين الدول المشتركة في نهر واحد مثل حالة حوض النيل، وتساعد في تصميم السلام خاصة إذا اقنعنا الدول المتشاطئة والمشتركة في الحوض أن هذه مسئولية جماعية تعود بالنفع على كل الدول. - رغم أن تدخلكم في أزمة حوض النيل مر عليه عقد من الزمان إلا أن المفاوضات من فشل إلى فشل، وهذا يعني إما أن المشروع غير ناجح أو أن الباحثين لم يستطيعوا أن يقنعوا السياسيين بالتعاون البحثي؟ نحن نعالج نقاطا بحثية لها علاقة بالمياه وليست لنا علاقة بالسياسة، وكل مواضيعنا تسير في طريق علمي بحت، فنحن نعالج مواضيع لها علاقة بطمي النيل وتلوث مياه النيل والفيضانات والجفاف واستثمارات استخدامات المياه، وكان هناك حماس كبير من الباحثين الأفارقة ومصر والسودان وشكلوا فريقا بحثيا للعمل في هذه المجالات، وبالطبع لن نجني ثمار هذه المشاريع بعد سنة أو سنتين ولكنها ستحتاج عشرات السنين ,ومن المنتظر أن يتم الاتفاق على عقد مؤتمر عام بين دول حوض النيل هذا العام لعرض جميع الدراسات والأبحاث التي تمت في المرحلة الثانية على أصحاب القرار والسياسيين في جميع دول حوض النيل، وهذا المؤتمر الذي نعد له من الآن سيحاول تقريب وجهات النظر وإرسال رسالة مفادها «إذا حدث تعاون بين دول حوض النيل سيكون هناك قيمة مضافة للتعاون المشترك فيما بينهم». لا حل عسكريا - ولكن في النهاية هناك أزمة قد تفجر الحوض بأكمله؟ لا يجب أن نلوح بالقوة، المشكلة اكبر ما يمكن أن تحلها الحلول العسكرية، فجميع مواطني حوض النيل يعلمون إنهم يعيشون مشاكل مشتركة وهناك فنيون وباحثون يحاولون إقناعهم للتعاون في حلها، وإذا نجح الفنيون والباحثون في أن يصدروا للسياسيين فكر التعاون البناء فسيطمئنون ويثقون في قدرات أبناء الحوض من مختلف الجنسيات، وأنت لا تعلم كم شعرت بالسعادة عندما شاهدت الوفد المصري ورئيس الوزراء السابق وهو يجوب شوارع إثيوبيا ويركب احد القوارب مع المسئولين ويجوب أعالي نهر النيل، وهذا المشهد إذا تناولناه بشكل مباشر ستعلم أن التقارب النفسي بين مصر ودول حوض النيل يمكنه أن يحل القضية بلا رجعة، فالأفارقة يحبون مصر بجنون ويتمنون لها السلام ويحبون شعبها، فقط يريدون أن يحسوا بأنهم يحققون مصلحتهم ويتطورون من خلال مصر. ايد خفية - الا ترى معي أن هناك يدا خفية تلعب على وتر المياه في حوض النيل؟ ليس لدينا دليل على لعب أي يد خفية على مقدرات دول حوض النيل، بقدر ما إننا نمتلك دليلا على أن هناك حاجة ماسة للتعاون في مجال إدارة الموارد المائية في نهر النيل وتقسيم المياه على الدول بطريقة تتناسب وتحقق الأمن المائي لجميع الدول المشتركة في الحوض.