مما لاشك فيه أن المملكة تخوض هذه الأيام معركة التغيير بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - ولاشك أيضاً أن هذا التغيير له هدف أساسي يصب في خانة الإصلاح والتطوير.. إن حركة الاصلاح والتغيير حركة دائبة ومستمرة: توجت بصدور الأوامر الملكية الكريمة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من ذلك المجهود المتواصل للارتقاء بالوطن والمواطن ورفع مستوى ومكانة المملكة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي وذلك من خلال رفع كفاءة العمل الحكومي لكي تتبوأ مكانتها التي تستحقها والتي فرضتها مكانتها الدينية والثقافية والاقتصادية وقيادتها الحكيمة وشعبها المتميز ناهيك عن موقعها الجغرافي الذي يتميز بأنه يشكل حلقة وصل بين القارات المتوسطة بؤرة العالم وملتقى مصالحه. إن شعلة التغيير قد أطلقها الملك حفظه الله وحمل المسؤولين مسؤولية اكمال عملية التحديث والتغيير والاصلاح كل فيما يخصه وحضهم على خدمة الوطن وتسهيل أمور المواطن. نعم إن عملية التغيير وبالتالي الإصلاح والتطوير أصبحت مهمة كل مؤسسة مهما كبرت أو صغرت على امتداد ساحة هذا الوطن. ومن يقرأ أفكار وتوجهات خادم الحرمين الشريفين يجد أنه جاد كل الجد في إحداث ذلك التحول وبأسرع وقت ممكن ولاشك أنه يدرك حفظه الله أن عملية التحديث والتغيير وبالتالي الاصلاح والتطوير عملية شاملة متكاملة يجب أن تطال جميع المؤسسات من قمتها إلى قاعدتها. وهذا الإدراك نابع من فهمه أن تغيير رأس الهرم في أي مؤسسة كانت لن يغير شيئاً ما لم يقم من أوكلت له المسؤولية على رأس ذلك الهرم بتبني روح التغيير والتحديث والتطوير في المؤسسة التي تولي مسؤوليتها على أن يشمل ذلك جميع مكونات المؤسسة وفروعها. وان يشمل التطور الفرد والجماعة من خلال التدريب وإعادة التدريب وضخ دماء جديدة والاستغناء عمن يعيق العمل أو يصبح عالة عليه. إن وضع معايير وضوابط لعملية التغيير والاصلاح والتطوير والتحديث وتحديد جداول زمنية للوفاء بمتطلباتها أصبح هاجساً يحسن الالتفات إليه. كما يجب أن يكون واضحاً ان من لم يلتزم بالضوابط وبالمدد المحددة سوف تجرفه رياح التغيير كما يجب أن ينطلق شعار جديد يقول إن زمن الخمول والتسيب والاتكالية قد ولى ذلك اننا اصبحنا في عصر لا يرحم المتقاعسين. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن وجود جهاز مركزي للمتابعة والتقييم والتقويم تكون مهمته رصد عملية التغيير والاصلاح والتطوير وضبط وتيرة حركتها وتقويم اعوجاجها وتنسيق مهامها والعمل على تكاملها ورفع تقارير دورية ذات شفافية عالية الى مقام الملك عبدالله حفظه الله. نعم إن تحقيق الجودة أساس عملية التغيير وهدفها الأول وبدون ضبط وربط ومتابعة يصبح التغيير مجرد عملية روتينية يتم خلالها إحلال أشخاص محل آخرين وهذا هو ما يجهض عملية التغيير ويقف حجر عثرة أمام الاصلاح والتطوير.. إن الملك عبدالله - حفظه الله - يدرك تماماً إن التغيير والتجديد في النظام الاداري للأمم أصبح من سمات الأمم الحية التي تنشد التقدم والرقي من خلال الانجاز الذي يعتمد على مبدأ تجديد الدماء بصورة مستمرة وعدم الاستكانة إلى الاستمرار على نمط ثابت لا يتغير ناهيك عن أن التغيير في كل الأحوال يحتاج إلى مبتكرين ومطبقين فالمبتكرون يوجدون الأفكار ويقوم بالتجريب ويتأكدون من الكفاءة والفعالية والمطبقون يقومون بمزاولة المهام وتطبيقها وفي كل الأحوال الوطن في حاجة ماسة الى مثل هاتين الفئتين. وهذا يحتم أن يتم تركيز الجهد على تشجيع مثل هؤلاء لأنهم هم من سوف يخدم ويدعم عملية الاصلاح والتغيير والتطوير المنشودة. نعم لقد كان التغيير في السابق يعني حركة قصيرة المدى يعقبها فترة ركود طويلة المدى. أما اليوم فإن واقع الحراك والتجديد والاصلاح والتطوير لا يسمح بوجود فترات خمول أو ركود أو استرخاء فالتغيير أصبح من أهم معالمه أن يكون متواصلاً وشاملاً ويدخل ضمن ذلك الكوادر الادارية المساندة. نعم إن حشد الهمم ونشر ثقافة التغيير الايجابي من أهم العوامل التي تساعد على التحولات الجذرية في حياة الأمم وذلك لأن العدد المحدود ممن يتبنون سياسة التغيير ولنقل 5% من الناس سوف يواجهون مصاعب جمة من الرفض الذي يتبناه التقليديون والمتضررون من عملية التغيير. أما عندما تكون نسبة عدد من يتبنى عملية التغيير كبيرة ولنقل 20% أو أكثر من الناس فإن عملية التغيير تصبح قوة لها عزم كبير غير قابل للتوقف لأنها بهذه النسبة تملك خيارات كثيرة وبدائل متعددة كما أن قدرتها على التغيير الإيجابي سوف تلاقي الدعم والمؤازرة من قبل جمع كبير من الناس إذا ا تضح لهم من خلال النتائج أن العملية ايجابية ومثمرة. ان الاستراتيجيات الجديدة في مجال التغيير والاصلاح والتطوير تعتمد على أن المؤسسات العصرية تحتاج الى ان تكون عملية التغيير فيها تتجاوب مع ديناميكية التطوير المستمر. لذلك فإن المؤسسة الحديثة تطلب من كل فرد يعمل فيها ان يكون مستعداً ان يتولى مسؤوليات جديدة. كما انها تركز على فرق العمل المتعاونة ليس هذا وحسب بل هيكل وبناء بعض المؤسسات قد اصبح اكثر تسطيحاً وأقل هرمية. ان مؤسسات اليوم لم تعد تتحمل ان تكون معزولة عما يدور حولها في الداخل والخارج من تحولات أمنية ومستقبلية مما جعل عملية الاصلاح والتطوير المستهدفة من خلال عمليات التغيير والتحديث تتبنى بعض العناصر المحفزة والتي لها اليد الطولى في إدارة عملية التغيير ولعل من أهم تلك المحفزات: ٭ التأكيد على أن يكون للعمل معنى ومغزى. ٭ فرض مزيد من المسؤوليات مع مزيد من الضوابط والمحاسبة للموظفين. ٭ خلق المنافسة بين الموظفين وجعل اكتساب المهارات مسؤولية شخصية من خلال تشجيع عملية التعلم المستمر مدى الحياة. ٭ دفع مكافآة مجزية للاداء المتفوق. ٭ جعل الكفاءة هي المعيار الأول والأهم في عملية الاختيار. نعم ان مرحلة التغيير تستوجب وجود خطوط عريضة تتبع لتغيير ثقافة العمل لأي مؤسسة او شركة او فريق عمل ولعل من أهم هذه الخطوط العريضة: ٭ وجود سبب وجيه لاجراء التغيير. ٭ الاستفادة من آراء الآخرين وافكارهم من خلال إشراكهم في العمل. ٭ ان يتولى المسؤولية عن التغيير شخص محترف. ٭ استحداث فرق عمل لاتمام عملية التحول. ٭ التدريب على سلوكيات وقيم ومهارات التغيير. ٭ الاعتراف بأي جهد بناء من قبل الافراد او الجماعات. ولعل من أهم معوقات التغيير الاعتقاد الخاطئ بأن الناس يتغيرون بمجرد طلب ذلك منهم. ومثل ذلك الاعتقاد يجعل بعض المديرين يتعاملون مع موظفيهم من خلال إلقاء الأوامر مما يولد ردة فعل سلبية تتمثل في المقاومة والكراهية. ان الدعم والتشجيع وطلب المشاركة من أهم عوامل انجاح عملية التغيير الايجابي في أي مؤسسة او دائرة او شركة. وعلى العموم فإن للزمن متطلبات يجب الوفاء بها فالمجتمعات والاقتصاديات والمؤسسات شأنها بشأن البشر عرضة للتعثر والمرض والاضطراب والنوبات ومع ان هذه الحقيقة معروفة منذ زمن طويل فإن عدم الانتظام في سرعة التغيير وتسارعه سوف يؤدي الى المحظور. وما الازمة المالية العالمية التي تدور رحاها هذه الايام الأخيرة مثال على ان القصور وارتكاب الاخطاء عملية تراكمية تظهر سلبياتها مع مرور الزمن وهذا الأمر هو ما يجب ان يتم تلافيه من خلال عمليات الاصلاح والتطوير. ان مختلف الدول في عالم اليوم تكافح باصرار وفق سرعات متباينة من اجل بناء اقتصاديات متقدمة قوامها العلم والمعرفة لكن ما عجز عنه فهمه بوضوح أغلب الساسة ورجال المال والاعمال حقيقة بسيطة مفادها ان الاقتصاد المتقدم يحتاج الى مجتمع متقدم ومؤسسات متقدمة لان كل اقتصاد هو نتاج المجتمع الذي ينشأ فيه ويعتمد ايضاً على المؤسسات الرئيسية التي تتبناه. فإذا استطاعت احد الدول ان تسرع تقدمها الاقتصادي ولكنها تركت مؤسساتها دون تغيير يتوافق مع ذلك التقدم فإنها سوف تجد نفسها غير قادرة على صنع ثروة واقتصاد دائم النجاح ذلك ان البيروقراطية في العصر الحاضر تعيق التحرك نحو نظام اكثر تقدماً واكثر اعتماداً على المعرفة في سبيل تحقيق الثروة وهذا الكلام ينطبق على كل من الدول المتقدمة والدول التي تنشد التقدم. ان عملية انجاز التغيير ومن ثم انجاز العمل يعتمد على عقلية القائمين عليه في كل مؤسسة تنشد التحول وتعمل من اجله. إلا ان العقول وحدها لا تستطيع الانجاز في ظل الانظمة والقوانين الجامدة. وهذا كله يدعونا الى القول ان من أهم المحاور التي تسهل عملية التحديث والتغيير في المملكة اعادة دراسة وتطوير نظام الخدمة المدنية بما يتوافق مع التوجهات الجديدة ويتوافق مع متطلبات التغيير الذي تشهده المملكة على كافة الصعد التعليمية والصحية والعسكرية والقضائية وغيرها من المؤسسات التي سوف تطالها موجة التغيير والتحديث والتطوير والاصلاح بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الامين الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظهما الله والله المستعان.