مما لاشك فيه أن الإصلاح والتطوير عمليتان متكاملتان وهما يشكلان هاجس كل مخلص وأمين على المصالح العليا للوطن، ولذلك فهو يسعى إلى تحقيق أقصى قدر من التحفيز والإنجاز في جميع الفعاليات والبرامج والخطط التي تسعى الدولة إلى تحقيقها على مستوى القطاع العام أو مستوى القطاع الخاص، وذلك ان القطاعين العام والخاص يتكاملان ويتتامان.. والذي لاشك فيه ان لكل فعل ردة فعل مضادة مساوية له في القوة ومعاكسة له في الاتجاه. لذلك نجد أن من يعمل في سبيل الاصلاح والتطوير كُثر ومن يعيق ذلك العمل النبيل ويثبط العزائم أكثر، خصوصاً من قبل أولئك الذين تعودوا على التسيب أو من قبل أولئك الذين يخافون أن يجرفهم تيار الاصلاح والتطوير ويفقدهم ما يتمتعون به من مزايا يدركون داخل أنفسهم بأنهم لا يستحقونها. إن عملية الاصلاح والتطوير لايمكن ان تتم من خلال الجهود الفردية ذلك لأن تلك العمليات تتم بصورة جماعية وتكاملية بين مكونات القطاع الواحد، وبين القطاعات المختلفة سواء أكانت عامة أم خاصة. إن التطوير والإصلاح الإداري الشامل هما المفتاح الحقيقي لنجاح خطط التنمية وهما الأساس في عمليات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبالتالي هذا كله سوف ينعكس على جميع مقومات الدولة والمجتمع من النواحي السياسية والأمنية والعلمية وتنفيذ الخطط الاستراتيجية.. إن الإصلاح الإداري والإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي وتطوير تلك القطاعات كفيل بإصلاح وتطوير العمل السياسي والأمني خصوصاً إذا رافق الجميع إصلاحُ التعليم بشقيه العام والعالي ذلك أن مدخلات ومخرجات مراحل التعليم المختلفة وإصلاح وتطوير ثقافة وكفاءة والتزام ومهنية خريجيها هي الفيصل في كل عمل تطويري أو إصلاحي. إن تفشي البيروقراطية يقف عائقاً أمام انسيابية العمل الإداري ويتسبب في قتل وإعاقة كثير من المبادرات الخيرة التي يتم تبنيها في هذا البلد المعطاء، والمدعومة بحرص قيادتنا الرشيدة على تبني كل ما يصب في خانة الإصلاح والتطوير وتحقيق المصلحة العامة. نعم إن فاقد الشيء لا يعطيه وهذا ينطبق على بعض الموظفين الذين استأنسوا التسيب وعدم الالتزام وساعدهم على ذلك عدم محاسبة أمثالهم، وعدم مكافأة المجتهد. ليس هذا فحسب بل ان الأمر في كثير من الأحيان يتعدى ذلك بحيث يُظلم المجتهد من خلال تحميله كثيرا من الأعباء وحرمانه من الاجازات بحجة ان العمل لا يستغني عنه، وأن غيابه سوف يؤدي إلى تعطل كثير من المعاملات ناهيك عن أن ذلك الاجتهاد لا يرافقه في كثير من الأحيان أي مميزات مثل خارج دوام أو انتداب أو ترقية ما يدفع ببعض الموظفين إلى تأخير العمل الذي يحتاج إلى ساعات لانجازه عمداً إلى أيام أو أسابيع وذلك حتى لا يعطَى مزيداً من العمل ما ينعكس سلباً على العمل وعلى المراجعين وعلى المصلحة العامة. ولذلك فإن أولويات التطوير والإصلاح تبدأ من خلال الإصلاح الإداري الذي يحتاج إلى عدد كبير من الفعاليات والجهود التي يتمثل بعض منها فيما يلي: * تطوير القيادات الإدارية وتعزيز التراكم المعرفي لديها من خلال تشجيع الاقبال على التعلم المستمر لأساليب الادارة الحديثة وخاصة أساليب اتخاذ القرارات والتحفيز من خلال تطوير المهارات الإدارية والفنية التي عمادها الدورات التأهيلية والتطويرية التي تواكب كل مستجد أثبت نجاحه وفعاليته. * إعداد خطة استراتيجية وتحديد فلسفة العمل والأهداف الكلية بصورة مرنة يمكن تحويرها بما يتوافق ويتواءم مع المستجدات العالمية في هذا المجال وبما ينعكس إيجاباً على العملية التطويرية والإصلاحية. * تشكيل فرق عمل بحثية واستشارية للقيام بعملية تحليل السياسات وتحديد المشكلات، وتقييم الواقع وتشخيص العوائق بدقة وتقديم البدائل والحلول المناسبة. * تشكيل مجالس استشارية تجمع القطاع العام والخاص وذلك لدمج الأهداف، وضمان استفادة كل طرف من الطرف الآخر من خلال تبادل الخبرات والمنافع والتجارب في سبيل تحقيق التكامل. * إنشاء مراكز دراسات استشارية أو معاهد بحثية متخصصة تابعة لكل جهاز لتعمل كعين بصيرة تستشف وتتابع كل جديد، ومستجد على الساحة العالمية، وتضع المعايير والمقاييس والنظم والتشريعات التي تضمن الجودة لعمل ذلك الجهاز.. وهذا الأسلوب من أهم مقومات دعم اتخاذ القرار الصائب والمناسب. * تفعيل الخبرة الوطنية والعمل على تراكمها بدلاً من سياسة ترسية تنفيذ المشاريع الكبيرة على شركات أجنبية بأسلوب تسليم المفتاح، والتي تجلب معها جميع احتياجاتها من الخبراء إلى العمال وبعد رحيلها تأتي مرحلة التشغيل والصيانة التي تكلف أضعاف ما كلفه المشروع نفسه وذلك بسبب غياب الخبرة الوطنية أثناء التنفيذ لذلك فإن الاستعاضة عن أسلوب تسليم المفتاح بأسلوب الشراكة بين الشركات الوطنية، والأجنبية يضمن الاحتكاك ويضمن نقل التقنية والخبرة، ويضمن استمرار وتأهيل الشركات الوطنية وقدرتها على تشغيل وصيانة المشروع بعد رحيل الأجنبي. * إنشاء جهاز خاص تكون مهمته الاطلاع وجمع وتحليل التجارب العالمية في الإدارة، وتنفيذ المشاريع والتشغيل والصيانة وخفض التكلفة واستقراء تلك التجارب وإحالتها إلى الجهات المختصة بعد ثبات فعاليتها من أجل الاستفادة منها وتفعيلها من قبل الجهات ذات العلاقة. * إشاعة مفاهيم الشورى والعمل الجماعي والمشاركة في اتخاذ القرار داخل إطار العمل بما يعزز القناعة بالعمل ويزيد من الولاء للمؤسسة، كما أن ذلك يقلل من مقاومة التغيير التي تصاحب عمليات الإصلاح والتطوير، ناهيك عن رفع الروح المعنوية والتركيز على أساليب ربط الأجر بالإنتاجية ومراعاة ظروف العمل وتطبيق معايير جيدة لتقييم الموظفين وذلك في سبيل الارتقاء بمستوى الأداء الفردي والجماعي ليس هذا فحسب بل إن تشجيع الابداع والتطوير من أهم مقومات نجاح أي مؤسسة. إن تفعيل دور الوظيفة العامة يعتبر حجر الأساس في خطوات تحديث الدولة وإداراتها كما أنه يعتبر مؤشراً حقيقياً على تبني الدولة لسياسات بنّاءة ومهمة تصب في مصلحة المواطن باعتباره المستفيد الأول من الادارة والمرافق العامة. لذلك فإن التحديث والتغيير الإداري يجب أن لا يقتصرا على قمة الهرم في أي من مؤسسات الدولة بل لابد من إجراء تعبئة عامة تطال مختلف مكونات الادارة بكل مستوياتها، وهذا هو السبيل الأمثل نحو الاصلاح والتطوير الشامل. أما الإصلاح والتطوير الجزئي فهما عملية ترقيع أثبتت فشلها وقصورها في كثير من الأحيان، ناهيك عن أن ذلك الأسلوب لا يحقق القفزة التطويرية المنشودة، ولا يؤدي إلى تطوير فعالية الجهاز الإداري بكامله. أما إذا شمل التطوير والإصلاح جميع أجهزة الدولة من القاعدة إلى القمة فإن ذلك يعني أن الإصلاح والتطوير شاملان وكاملان. نعم إن كثيراً من الادارات والمؤسسات تئن تحت وطأة عدد غير قليل من الموظفين الذين تعودوا على نمط معين من الأداء، وليس لديهم استعداد أو تقبل للتغيير أو استعداد للانخراط في عملية التطوير والاصلاح وذلك «لأن من شب على شيء شاب عليه» لذلك فإن أحسن وسيلة للتخلص من هذه المشكلة يتمثل في اتخاذ مجموعة من الاجراءات والخطوات يتمثل بعض منها في الآتي: * إعادة تقييم جميع العاملين في كل قطاع تقييماً علمياً من جميع النواحي وبعد ذلك يمكن الاستفادة من المتميزين والعمل على استمرارهم وتحسين كفاءتهم أما ما دون ذلك فيمكن الاستغناء عنهم عن طريق إحالتهم على التقاعد أو تقديم مغريات لهم تدفعهم إلى الاستقالة مثل بدل نهاية خدمة، أو شيك ذهبي أو منحهم سنوات خدمة إضافية لكي يصلوا إلى سن التقاعد أو غير ذلك من الوسائل الممكنة. * بناء جهاز إداري جديد مستقل عن الجهاز الإداري القديم وتزويده بأحدث الخبرات والكفاءات والتجهيزات بحيث يتزامن تطور واتساع الجهاز الجديد مع تقليص حجم ومهام الجهاز القديم حتى يتم الاستغناء عنه. * من الملاحظات المهمة التي يجب الانتباه إليها أن هناك عدداً كبيراً جداً يتخرجون في الجامعات، وهناك أعداد كبيرة أخرى تعود إلى الوطن بعد أن تحصلوا على شهادات علمية وذلك في تخصصات مختلفة والقاسم المشترك هو قلة الخبرة العملية وهذا شيء طبيعي والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا يصبح من متطلبات التخرج في الجامعات في الداخل اكتساب الخبرة العملية في مجال التخصص في فترة الصيف من كل عام دراسي ويُطلب من المؤسسات العامة والشركات والمصانع والمؤسسات والبنوك قبول تدريبهم كجزء من مسؤوليتهم تجاه أبناء الوطن؟ كما يمكن أن يتم الاتفاق مع حكومات الدول التي يتم الابتعاث إليها بأن تسمح للطلاب المبتعثين بالعمل في مجال تخصصهم في الجامعات والشركات والمصانع المناسبة وذلك لمدة عام على الأقل لإكسابهم الخبرة ووضعهم على المحك العملي. * من الأمور التي يتم الشكوى منها عدم الانضباط لدى بعض الشباب، وعدم الالتزام أو احترام الوقت ما قد يخلق نوعاً من التسيب.. ولاشك أن من أفضل الحلول لمثل تلك المشكلة هو التجنيد الاجباري لمدة سنة بعد الثانوية العامة، حيث يتم خلال ذلك العام تعليمهم الانضباط واحترام الأوامر والدقة في المواعيد ناهيك عن تعليمهم أساليب الإنجاز وعدم الاستهتار. إن التطوير والإصلاح الإداري الشامل هما المفتاح الحقيقي لنجاح خطط التنمية وهما الأساس في عمليات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبالتالي هذا كله سوف ينعكس على جميع مقومات الدولة والمجتمع من النواحي السياسية والأمنية والعلمية وتنفيذ الخطط الاستراتيجية.. إن الانضباط هو الأساس في نجاح الادارة المستقلة المحايدة الشفافة التي أكبر همها خدمة الصالح العام من خلال الاستيعاب والاستجابة لمضمون واتجاهات مشروع التطوير والتحديث والإصلاح الذي تسعى حكومتنا الرشيدة إلى تحقيقه بقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -. والله المستعان.