قبل سنتين وستة أشهر وأربعة وعشرين يوماً.. أجريت لوالدتي عملية «قلب مفتوح» دخلت بعدها غرفة العناية المركزة.. كما يعلم المتابع لهذه الزاوية.. ومنذ ذلك الحين وهي في صراع مع أمراض القلب والرئة والكلى.. تنتقل بين البيت والمستشفى.. لكنها - يشهد الله - لم تشتك ولم تتبرم فتعلمنا منها الصبر والسلوان.. وكنا أحوج ما نكون لصبر يوم «توقف القلب الصابر». رحمك الله يا أمي وأسكنك فسيح جناته وألهمنا الصبر على فراقك، لله الحمد من قبل ومن بعد.. ولك البشرى يا أم حافظ ببنيك الصابرين فقد تعلموا منك الصبر.. حين كنت تودعين والديك وابنك عبدالله بقلب صابر نسأل الله أن تكوني ممن خصهم الله بالبشرى حين قال {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون». رحمك الله يا أمي فقد تعلمت يوم رحيلك أن الدنيا بخير.. حيث توافد المعزون من كل حدب وصوب فكان الطلاب يسبقون الأكاديميين وكان الرياضيون ينافسون الأقارب والأصدقاء.. وكان الوفاء لسان حال كل من حضر أو اتصل.. ويعلم الله كم يعجز اللسان عن شكرهم على شعورهم الصادق. رحمك الله يا أمي فقد انطفأت برحيلك شمعة كانت تحترق لتضئ الحياة لمن حولها.. لقد حل الظلام ببيت كنت يا أمي مصدر نوره وفرحه. الكل يشهد لك بالابتسامة الدائمة التي أقسم بالله انني رأيتها على وجهك الجميل في مغسلة مسجد الراجحي حين ألقيت عليك نظرة الوداع وطبعت على جبينك الطاهر قبلة اعتذار عن تقصيري في حقك. رحمك الله يا أمي فقد تعلمت منك الكثير وأتمنى أن أتعلم منك عفة اللسان حيث يشهد القريب والبعيد بأنك احصنت لسانك عن الخوض في شؤون الناس فكنت تدخلين المجالس وتخرجين لم يسمع لك صوت.. وهو أمر عجزنا أن نتعلمه ونعدك باستمرار المحاولة. رحمك الله يا أمي فقد تركت خلفك زوجاً محباً وفياً.. يشهد الله أنه لم يقصر ولم يتذمر بل كان قريباً منك يسعى لرضاك وراحتك.. ويفرح ويستبشر عند كل بارقة أمل. وكان فرحه مضاعفاً حين تبدين رضاك عليه فتأكلين من يده أو تطالبينه بالقراءة عليك. رحمك الله يا أمي فقد كنت معك لحظة وفاة أمك «جدتي منيرة».. التي فارقت الحياة في بيتنا بين يديك الطاهرتين.. حيث شهدت الصبر عند الصدمة الأولى فتعلمت منك يا أمي كيف يكون الصبر. وعشت أيام مرضك دروساً في الصبر.. فتعلمنا منك وتجلدنا بالصبر على مصابنا في فقدك. وسألني حفيدك «مشعل»: (ليه ما تصيح يا بابا) فكان جوابي: «أمي علمتني الصبر في المصائب».. ولكنني أفشي اليوم سراً لم يعلمه إلا والدي وابني راكان.. حيث كنت متماسكاً طيلة فترة الوفاة والصلاة والدفن لم أذرف دمعة وبعد تلقي العزاء في المقبرة وقفت بين والدي وراكان أمام قبرك وبدأ أبي حديث الوداع فدعا لك الله بالقبول والغفران وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة وأن يلقنك الجواب عند السؤال.. وأكثر الدعاء وأنا متماسك أحبس الدمع حتى قال والدي: «اشهدك اللهم إني راض عنها اللهم إني راض عنها اللهم إني راض عنها» عندها انهمرت دموع الحزن والفرح من عيني حزني على فراقك وفرحي لك برضا والدي عليك اللهم أجعل ذلك اليوم خير أيامك. اللهم حقق دعوة أبي بأن تجمعنا جميعاً في عليين. وفي الختام.. أعجز عن شكر من شاركنا العزاء.. واعتذر لكل من اشغلنا العزاء عن القيام بواجبه فقد كان الحضور والاتصالات فوق ما توقعنا ولله الحمد.. ولذا قد نكون قصرنا بواجب بعض المعزين حضورياً أو هاتفياً.. فلهم الأجر من الله ونطلب منهم العفو والعذر ونرجوهم الدعاء لأمي.