إن مواسم التخفيضات للسلع المختلفة من أساليب التسويق التي ينتهجها أصحاب المحلات المختلفة وهذا الموسم ينتظره الكثير لكي يحصل ما كان يحلم به خلال العام بسعر أنسب لدخله. فهل هذا الأسلوب ممكن تطبيقه على أنواع وأصناف الأدوية والعلاج؟. أن المتمحص للوضع الصحي لدينا خاصة موضوع وصف الأدوية وصرفها سواء من خلال القطاعات الحكومية والخاصة، يرى تفاوتاً عجيباً وغريباً بين طريقة وصف الأدوية وصرفها . فان هذا المرحلة تعتبر غير مهمة كالمراحل السابقة من مقابلة الاستشاري وعمل التحاليل المخبرية وانتظار موعد لمقابلة الطبيب وموعد للتحاليل. فالممارسة الحالية اعطت رسالة واضحة للمريض بان عليك احترام وانتظار موعدك مع الطبيب وكذلك موعدك مع التحاليل، بينما انتظارك لوصف وصرف العلاج بالطريقة العلمية الصحيحة غير مهم. فالمريض يتساهل في عملية كيفية حصوله على الأدوية المرغوبة فمنافذ، عرض البضائع من الأدوية متوفرة في كل منطقة وعلى مدار الساعة، فتجعل المريض يذهب للصيدليات المختلفة ومحلات بيع ما يسمى ادوية فعالة وفتاكة بأي مرض او أعراض ومن مصدر نباتي آمن ومخزنة في عبوات بلاستيكية وشفافة معرضة للشمس والضوء والحرارة او تكون في بعض الأحيان في أكياس من الخيش مخلوط بنكهة البيئة المحيطة. فالوضع الذي يعيشه ويلاحظه كل مريض والضبابية على مرحلة وصف الأدوية وصرفها وكذلك ماهو دور الصيدلي. فالكل يصرف الأدوية ويبيعها ويدعي بأن لديه العلاج الناجع فلا داعي للذهاب الى الطبيب او اخذ موعد لمقابلته ولا داعي للتحاليل المخبرية المكلفة جهداً ووقتاً. فأصبحت شريحة كبيرة من المجتمع تتساهل بالذهاب الى الصيدليات واخذ ما بدا لها من الأدوية معتمداً على وصف من قريب او صديق او مجرب وبدون إذن رسمي او وصفه من طبيب معالج ومتخصص. وهذا الوضع غير الصحي لدينا أدى الى انتعاش سوق عرض الأدوية مع اصناف غير الأدوية والمستلزمات والإكسسوارات وكل ما له علاقة بكلمة صحي في محلات تسمى صيدلية، وأخذت هذه الأماكن ديكورات ولوحات اعلانية براقه. فازدحمت الشوارع بهذه المحلات فربح الصيدلية الواحدة لا يكفي فجعلت المستثمر أياً كانت خلفيته العلمية يطالب بالمزيد من فتح هذه الصيدليات، وبدأت تتزاحم في الشوارع وبدأت تبيع حتى المكسرات والعصائر والعلكة والحفائظ وأنواع الكراسي، ولا يستبعد قريباً ان نرى عرض ادوات السباكة الصحية في الصيدليات. ان صرف الأدوية بدون وصفة من طبيب متخصص هي المشكلة الكبرى في العملية العلاجية، التي تستنزف ميزانية المستشفيات والحاصل بذلك حتى على مستوى القطاع الصحي الحكومي، أدى الى هذا الهدر الكبير، وإذا لم توضع له الضوابط والمتابعة والرقابة سوف يستمر النزف مهما اعطيت هذه القطاعات الصحية من ميزانيات ورصدت لها المبالغ فالشكوى والتذمر سوف يستمر،. فالأسرة للتنويم غير متوفرة ومواعيد عيادات متأخرة وعدم توفر أدوية. فضبط الأدوية وصرفها في كلا القطاعات هما المحك والحلقة المفقودة في المنظومة العلاجية، وبث الرسالة الواضحة لكل منسوبي القطاعات الصحية والمريض، انه لا سبيل لأخذ العلاج الآمن إلا من الطريق السوي العلمي والمعمول به في دول العالم المتقدمة والتي نذهب لها ونلتمس لديها العلاج في الحالات المرضية المستعصية. فالوضع الحالي ينذر بالضرر الكبير فالصيدليات الأهلية اصبحت منافذ لعرض الأدوية بالآلاف وعلى مدر الساعة، ولا يستبعد ان تكون هناك مواسم تخفيضات للأدوية فتأخذ علبة مجاناً عند شراءك علبة مضاد حيوي واذا اخذت بالجملة قد يكون الخصم أكبر ومعه عينات مجانية من كريمات الكوريتزون وأشربه الكحة وشريط أقراص لعلاج القولون او حسب اختيار المريض والى آخره. فالمستهلك قد يحصل على كل ما يريده بشرط قدرته على دفع الفلوس ولا يمانع بأن يأخذ الباقي علكة او منديلاً حيث اصبحت الآن العلكة والمناديل عملة نقدية تعطى للمستهلك ويلتمسها كل من أجبر على دخول صيدلية او سوبرماركت، وذلك بأمر من الإدارات العليا لهذه المنشآت الاستثمارية. فحصيلة هذا الوضع الحالي تكدس وتزاحم في اقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية بحثاً عن مخرج لحلقات التجارب التي مر بها المريض. وأصيب أخيراً بمضاعفات غير معروفة وخطيرة، حيث نادراً ما يفصح المريض بالمعلومات الصحيحة لطبيب الإسعاف ما يجعل الطبيب في حيرة من أمره وقد يؤدي به ذلك الى تشخيص خاطئ قد يؤدي الى خطر أكبر يحتاج فيه الى تنويم في المستشفى. والمستشفى أصلاً ممتلئ بأمثال هذا المريض. ويتكرر هذا المشهد في معظم المستشفيات الحكومية في المدن والهجر. ونتيجة لهذا التزاحم الشديد بين الصيدليات ومنافذ بيع الأدوية بأنواعها، نتوقع ان نرى إعلانات لمواسم تخفيضات بأسعار الأدوية وعروض تجارية مختلفة للأصناف الصيدلانية كإعطاء عينات مجانية وعبوات مصغرة لهذه الأصناف للتجربة والمعاناة سوف تستمر، ما يتطلب تفعيل نظام مزاولة مهنة الصيدلة ومنح الفرص للصيادلة لتقديم ما لديهم من علم وخبرة في مجال مهنتهم وعدم تهميشهم، فالفريق الطبي المعالج يضم عضواً فعالاً الا وهو الصيدلي، فإغفال دوره أدى إلى قيام الآخرين بهذا الدور والمتاجرة بمهنته. @ جامعة الملك سعود