أكتب هذه السطور ليس لأعزيك بل لأحييك، لأنه من الصعب على من عرفك أن يصدق رحيلك،فكيف بمن عايشك عملا وصداقة شخصية وعائلية. تذكرت يا طلعت كيف تعرفنا على بعضنا قبل 28سنة، وكيف طلبت مني أن أعمل في جريدة "الرياض" وقبلت. تذكرت كيف افتتحنا مكتب الجريدة في واشنطن سويا قبل 26سنة. وتعاونا وكنت خير صديق وخير أخ لم تلده أمي. وقد زاد هذا الوثاق قوة عندما قدمتني وعائلتي لعائلتك الكريمة، ولا أنسى ذلك الحديث الطويل الذي كان لي مع والدك الكريم وبعض الأقارب الآخرين الذين تعرفت عليهم. فترة العمل معك كانت فترة تعمقت فيها الصداقة. وعملنا عدة سنوات قبل أن تعود الى وطنك، ولكن بقينا نلتقي كثيراً كلما سنحت لك فرصة الحضور الى أمريكا، وأثناء الزيارتين اللتين قمتُ بهما لمدينة الرياض للمشاركة في "مهرجان الجنادرية" إضافة للمكالمات الهاتفية بيننا التي لم تنقطع. تعلمت منك الكثير فقد قدمتني للعادات والتقاليد السعودية، الشيء الذي أفادني كثيراً حتى في حياتي الصحفية مع جريدة "الرياض". ومنك تلقيت الدرس الأول عن البعد الثقافي السعودي وعن الفنون السعودية. كما كان لك الفضل الأكبر في اطلاعي على المجتمع السعودي. لم أستطع يا طلعت أن أتعايش مع مرضك، ولكنني كنت دائما اشجعك، وعندما التقينا في واشنطن قبل سفرتك الأخيرة للرياض، جلسنا مطولاً وأعدنا الذكريات، وخالجني شعور غريب، وكاننا نودع بعضنا رغم أن الحديث كان شجياً والذكريات الطويلة ممتعة. ولن أنسى قبل أن نفترق عندما قلنا: إلى اللقاء ولكنك أضفت: "إدعُ لي يا فوزي" وقلت من كل قلبي يا أخي. وتحدثنا سوياً وأنت في الرياض وكررت المقولة "إدعُ لي يا فوزي" وقلت لي أن الأطباء قد وعدوك خيراً فقلت: "فوض أمرك إلى ربك". وصدمت صبيحة ذلك اليوم. اتصل بي شقيقنا المشترك أحمد اليامي في ساعة مبكرة لم يسبق له أن خابرني فيها. وقال: "عظم الله أجرك يا أبا ليلى". والواقع أنني لم أنتبه كثيرا معتقداً أنه يعزيني في أبناء شعبي الذين تذبحهم إسرائيل في غزة. ولكن عندما كرر المقولة شعرت بخلجات في قلبي. قال أحمد: لقد ذهب طلعت يا فوزي وعرفت أن شقيقاً عزيزاً ذهب، تاركاً لي ولأحمد ذكريات جميلة تعزينا في فراقه. لقد كان اسما على مسمى: طلعت وفريد ووفا شيء قلما تجده في إنسان واحد سنفتقدك يا أخي وسنفتقد كتاباتك وحديثك. فإلى جنة الخلود يا أخاً لي لم تلده أمي.