فجأة أصبتَ بحالة من الصمت! تبحث عن صوتك فتجده قد اختفى. لا تشعر برغبة في الحديث ولا التواصل مع الآخرين. تستيقظ صباحا لتستقبل البرد ورائحة المطر اللذين تنتظرهما منذ زمن بشوق لم تعد تحسه. تشعر أنك خارج نطاق الأحاسيس تشعر أنك فقدت كل اتصالك بمشاعرك وأنك لا تملك المقدرة على التواصل مع أي حد و تجاه أي شيء. أنت مستقبل جيد تنتقل من قنوات الأخبار المختلفة باحثا من خلالها عن آخر إحصائيات الجرحى والمغدورين و تهرب منها إلى الانترنت حين تزعج أذنيك تلك الخطابات السمجة المكررة التي تصيبك بالملل أو لقاءات السب والشتم والردح العربي المميزة وأنت تهرب من كل هذا لتتابع تصاعد أرقام الضحايا وتقرأ ردود الفعل الانترنتية على ما يحدث حولك فهذا يكتب دعاء تحفظه لتردده بينك وبين نفسك حين يصيبك القهر و آخر يسطر تاريخ الهزائم العربية وكأننا لا نعرفها و لا تكمل أي حكاية عربية بدون اتهامات العمالة الهجومية واتهامات أخرى مضادة في محاولة لتصفية حسابات معلقة بين تيار وآخر وبين فريق وآخر. أحدهم يعلق بطريقة ظريفة "هو دا وقته علشان نطبئ في زمارة بعض" ومسؤول إسرائيلي يقول في رده على سؤال تلفزيوني: "ما فيش جمرك على الكلام في الشرق الأوسط"! ومذيع يتساءل عن صمت الحكومات في أوربا وبقية العالم وهو يستمع إلى شهادات من داخل غزة ويشير في حديثة إلى شخص سعودي تبرع بكرسي المقعدين الذي يملكه في صورة تذكرنا بإنسانيتنا. وكلنا يعرف أن إسرائيل مثل الفتى المتنمر الذي يعرف أنه لن يعاقب مهما فعل. صديقك يبدأ يومه بالصيام قائلا إن الدعاء يقبل من الصائم ويذكرك بحملة التبرعات قائلا إن هذا واجب لا يمكننا تجاهله أو الهروب منه، و آخر ينهي كل رسائله الهاتفية من نكت وأخبار عن الأسهم و دعوات غذاء أو عشاء بدعاء لأهالي غزة وأنت لا تنتبه للتناقض بين محتوى الرسالة الأصلي وبين الجملة النهائية المتكررة في رسائله والتي تذكر أهالي غزة. وأنت تعيش يومك مثله مثل أي يوم آخر متحدثا عن البرد وعن سير العمل وعن إجازة آخر الأسبوع وعن حكايات هذا وذاك و تنهي يومك كما بدأته بملاحقة الأخبار التي تعيدك لحالة الصمت.