أعرب عدد من المثقفات والمثقفين والأكاديميين ل(ثقافة اليوم) عن بالغ مشاعر الأسى والحزن لفقد فارس من فرسان الإبداع العربي، واصفين رحيل رجل من رجال الإبداع، وقامة شامخة سامقة في فضاء التفرد الشعري، والتميز الروائي، وعلم من أعلام الإدارة، ورمز من رموز السفارة والسياسة والدبلوماسية في مشهدنا المحلي..واصفين رحيل غازي القصيبي بفاجعة النبأ الذي يخيم على مشاعر الحزن بمختلف أشكال الذهول الذي يفرض الإطراق والصمت.. صمت وذهول ودهشة كان يفرضها بإبداعه وتألقه على كل قرائه، إلا أن هذه المشاعر فرضت هذه المرة بلون الحزن، ومرارة الفراق، ومساحة الغياب التي تركها رحيله تمتد بامتداد إبداعه الذي لا يزال متدفقا بعد رحيله، وبمسافات لا يمكن استشرافها لربان قافية خالدة.. ولصاحب حبكة روائية آسرة فاتنة..معبرين عن أحاسيس حزنهم عبر عدد من التجارب الشخصية مع أبي يارا، الذي ترك لغيابه الحضور، ولذاكرة الأيام حياة في الإبداع.. وسيرة لن تموت.. بما شكله إبداعه من رؤى فكرية وأخرى ثقافية كمحطات بارزة وملامح شكلت علامات فارقة في المشهد الأدبي والثقافي، إلى جانب ما قدمه من أطروحات وناقشه من قضايا مختلفة طيلة خمسة عقود.. دبلوماسي امتلك أسطورة الكلمة، وإداري ترك في مجالات الإدارة ريادة عملية، ورؤى علمية وصفها بقوله: ( بقيت كلمة تقتضي الأمانة التاريخية أن أقولها: لا أدعي أني قلت هنا الحقيقة كاملة، ولكني أرجو أن كلما قلته هنا حقيقة) وهكذا رحل عاشق الشطآن وملهم الجزر..بلا وداع..بلا همس..بلا قبل..انسل يحتضن الإعصار والسحبا..من بعد أن ذرع الدنيا فما فتحت له الشواطئ إلا مرفأ الضجر.. رئيس نادي حائل الأدبي الثقافي وصف رحيل القصيبي قائلا: لا شك أن أبا يارا فقيد الوطن ، وفقيد الفكر والأدب ، قدم لأبناء مجتمعه كل ما يملكه من طاقات إبداعية متناهية ، في السياسة ، والإدارة والأدب شعرا ورواية حتى بات من رواد هذه المجالات جميعها. وأضاف الحمد إلى أنه بالرغم أن القصيبي من أوائل من قوبل بحرب التأويل والتشكيك والتصنيف كان صامدا أمامها بالحلم والتؤدة منتهجا الحوار والإقناع ، مما جعل من حاربه في مقدمة من شيعه بحزن بعد رحيله..مشبها ذلك بإعادة نفسه في ثقافتنا التي تتناسخ عندما نتذكر موقفنا من مفكرينا الأوائل كابن رشد وابن سينا وغيرهم، مشيرا إلى أن الثقافة التي حاربتهم في حياتهم باتت تفتخر بهم بعد مماتهم، وبأن غازي القصيبي سيظل مفخرة نعتز بها جميعا رحمه الله وجزاه خير على ما قدم لوطنه. أما الكاتبة والناقدة الدكتورة لمياء باعشن، فقد ذكرت بأنه يتبرم المبدعون كثيراً من عدم مواكبة النقد لكتاباتهم، كما يتبرم النقاد من عدم مواكبة المبدعين لدراساتهم..مشيرة إلى أنها كانت كلما انتهت من دراسة نقدية لعمل أدبي تتوقع أن يتصل صاحبه أو يكتب أو يناقش ليعبر عن تفاعله مع ما ورد في الورقة، موضحة بأن ذلك نادرا ما حدث وندرةً ما استلمت ردة فعل تجاه ما قدمته من درساسات لأعمال أدبية. الحمد: سيظل مفخرة نعتز بها جميعاً وقالت لمياء: عندما نشرت حلقات دراستي لرواية ( حكاية حب ) في عام 2008، فوجئت بهاتف من مكتب وزير العمل المرحوم بإذن الله الدكتور غازي القصيبي يطلب رقم فاكسي، وبعدها بدقائق وصلتني رسالته بخط يده: « كانت قراءتك لحكاية حب قراءة نافذة وعميقة وموضوعية – باختصار كانت قراءة متميزة... لرواية " وسط "! شكراً جزيلاً ». وأضافت باعشن: توقفت عند كل حرف وأنا منبهرة من كل ذلك الاهتمام والتواضع والذوق الرفيع، أحسست أنه تنازل منه أن يتواصل معي ليخبرني أن نقدي متميز وروايته وسط.. قرأت كلماته مرات عديدة وأنا في دهشة من نبله وحرصه، وهو الذي لم يكن بحاجة لأن يتكلف بالتواصل معي، وكأن ذلك لم يكن كافياً، فإذا بهاتفي يرن مرة أخرى، وإذا بصوته على الطرف الآخر، وإذا بي أزداد انبهاراً ودهشة. ومضت لمياء قائلة: تحدثنا طويلاً عن الرواية وناقش معي النقاط التي وردت في ورقتي وكان له رأياً نقدياً حصيفاً ومتمحصاً.. وأنا اليوم لن أشهد لغازي القصيبي بعمق المعرفة وحصافة الرأي، لكنني أعتبر رسالته شهادة تميز لي أنا، ومحادثته الهاتفية التي خصني بها وساماً أفاخر به، كما أعتبر روايته ( حكاية حب )، من أروع الروايات وأعمقها فكراً وتأثيراً.. ففي الرواية مشاهد مستقبلية مريعة تعمل كنبوءات للآتي من حياة كاتبها، فقد وصف غازي فيها آخر أيامه، وصراعه مع المرض، ووداعه للأحبة، وخروجه النهائي من مسرح الحياة: تعبت من جدّي ومن مجوني من كل ما في عالمي المشحون من مسرح محنط الفنون مشاهد باهتة التلوين برمت بالمسرح.. أخرجيني وقبل أن أرقد.. ودعيني من جانب آخر أشار الدكتور عبدالله المعيقل بأن غازي القصيبي، رجل بشهادة الجميع يعتبر ظاهرة إنسانية لا تتكرر، موضحا في حديثه بأنه إذا كان هناك من أحد لا يعرف للعبقرية معنى، أو لم يسمع بها، فأمامه غازي الذي تجلت فيه كل معان العبقرية، وذلك في كل ما كتب وفي كل ما فعل. د.لمياء باعشن: عرف بعمق المعرفة وحصافة الرأي وقال المعيقل: الواحد منا يعجب كيف يمكن لشخص واحد أن تجتمع فيه كل هذه المواهب، التي تظهر في ابلغ وأجمل صورة! ففي الشعر تجده واحدا من ابرز شعرائنا، وذلك من خلال ما شكله شاعرا لمرحلة هامة من مراحل شعرنا السعودي، وفي الرواية تجد أن (شقة الحرية) كانت فاتحة لمرحلة أخرى هامة في تاريخ الرواية المحلية..وكذا شأن إبداعاته في الإدارة والسفارة والسياسة..حدث ولا حرج. لقد تميز القصيبي – رحمه الله – بقدرته وبراعته النادرة في استثمار الوقت، وتمكنه بجدارة من تطويعه لإبداعه، مع تميزه في أداء مسؤولياته الكثيرة على ضخامتها وحساسيتها..مما يجعلك تقف حائرا متعجبا من هذه القدرات التي تأتي بمثابة الإعجاز في الإبداع. وختم المعيقل حديثه عن فقيد الوطن مؤكدا على أنه لم يكن واحدا فحسب، لكونه أكثر من إنسان وأكثر من واحد..مشيرا إلى أنه لا يمكن الاعتقاد بأننا في يوم من الأيام نستطيع أن نقول عن القصيبي كل ما يجب أن يقال. أما عضو هيئة التدريس بجامعة تبوك، وعضو اللجنة النسائية بنادي تبوك الأدبي الثقافي الدكتورة عائشة بنت يحيى الحكمي، استهلت حديثها عن فقيد الإبداع بقولها:كلما قرأت للقصيبي أو قرأت عنه أو اطلعت على أي نشاط يقوم به في الحياة يلوح بذاكرتي قول الشاعر : إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للشباب وأي مفسدة . فأقول لنفسي : أين نحن من صاحب أعلى همة ، أين شباب الأمة من غازي. لم يقل يوما كان أبي وإنما كان يفعل ويقول ها أنا ذا ( 70 ) كتابا أو أكثر وأشرطة كاسيت رفضتها كل المكتبات ، لكنك حاولت أن يكون لك الحضور فيها ، كما قلت لا يفل الكاسيت إلا الكاسيت.. فهنيئا لك غازي، فقد كنت ماهرا في استثمار الزمن لقد تغلبت على المتع الآنية وشطبتها من جدولك اليومي ، تعاقدت بعشق مع كل دقائق الأزمنة وحولتها إلى حياة مختلفة ، تهربت من الولائم والزيارات ، ورحلات الترفيه بكل إغراءاتها ، وإلحاح الأهل والأصدقاء وتآمر النفس اللوامة ، نجحت في سياستك مع الحياة ، حتى أجهزة الاتصال تعاملت معها وأنت غير راض عنها ووصفتها بأنها سارقة للحظات الخاصة . د. عسيري: شغل الدنيا بتفرد إبداعاته وملك القلوب بنبل أخلاقه وحسن تعامله وقالت الحكمي: كأن غازي لم يكن ذلك الطفل الثري الذي كان ، هرب من ثوب ذلك الطفل ورفض أن يعيش في جلباب الابن آخر العنقود بكل وسائل الدلال المعهودة ، غرس عينيه في كتب المعرفة وهو ابن التاسعة ،أي طفل كان بين ما سطره بين الحجاز وبين نجد ! طفل التهم أمهات الثقافة العربية وهو في التاسعة من العمر ليتحول معها إلى إنسان آخر.. ضحى بأوقات الرياضة البدنية، وواصل الساعات في عالم المعرفة، وكأنه خائف على العمر وخائف من الزمن أن يسرق أمنياته..غازي الذي اعترف في سيرته الشعرية بأنه لو عاد به الزمن لمارس الرياضة.. لكن محال هي مجرد أمنية ، شخصيته تقول لو عاد به الزمن لمرحلة الصبا لضاعف الجهد وأكمل مسيرة المعرفة . وأضافت عائشة قائلة: غازي دائما في أعيننا نحن الباحثين في الأدب قامة شامخة نتلمس حروفه العذبة ومشاعره العميقة... كنا نمني النفس أن نراه ونسمعه يلقي قصائده بصوته الذي كان أكثر حفاوة بأذن المتلقي.. كنت أشعر دائما أنني أعرفه وجها لوجه بعد أن عشت بين كتبه ( شقة الحرية ،وسيرة شعرية ،وحياة في الإدارة ) في كل صفحة انتهى منها كنت أقول: ما أعذب كلامك يا غازي وما أصدق تجاربك يا قصيبي! وذكرت الحكمي بأنها قررت وهي في معمعة البحث أن تخاطبه خطيا لتحصل على أشياء أخرى في حياته، لتغني بها بحثها، حيث جاء رد القصيبي في فترة وجيزة في مظروف، مما أرقص قلبها طربا، في لحظات كانت تتساءل وهي تتسلم رده قائلة لنفسها: أيعقل أن يكتب غازي خطابا لباحثة مثلي وهو السفير والمنشغل بكل المهام حوله والشعر والتأليف والقراءة كيف ؟!! مما جعل عينها حينها تتوجس من الظرف المختلف والختم الرسمي وكلمة السفارة ..إلا أنه أنهى في كلمتين توجسها، حين كتب إليها حين كتب للحكمي مقولته( ما تبحثين عنه تجديه في كتبي ) وقالت عائشة معلقة على هذا الموقف: قلت يومها لنفسي يكفي أن القصيبي انفق دقائق ليكتب لي بقلمه الأزرق ذي الحبر السائل سطرين ، لقد أكبرت فيه هذا الحرص ، يعرف أنني سأنتظر الرد وحفظا لوقتي في التفكير اعتنى بخطابي، ولقد حاولت كثيرا أن يجلس على منصة النادي الأدبي بتبوك، ويلقي علينا بعضا مما عنده ، لكنه غادرنا قبل أن يتم ذلك والله نسأل أن يسكنه فسيح الجنات. الكاتبة الدكتورة أروى خميس استهلت حديثها عن الفقيد بما دونته عند سماع رحيل القصيبي، عندما كانت في بريطانيا والذي جاء نصه: في يوم قريب .. استيقظت على ماسج مكذوب في جوالي يعلن وفاتك..قرأت أحرف الرسالة جيدا وفي طريقي الأخضر للجامعة كانت تمطر بشدة ولم أدر حينها هل تبلل وجهي بماء المطر أم بدموعي..كنت في بريطانيا ..ووقتها تآمرت علي الغربة وفقدك والوحدة والروح المعطوبة فأسلمت عيني للدمع الغزير..ورغم التكذيب الإعلامي لقضية موتك فيما بعد..إلا أنني كنت قد أصبت في مقتل وانتهى الأمر، فالموت يا عزيزي لا تنتشر روائحه النفاذة ولا يمزح بهذه السماجة إلا إن كان في الجوار، فقد كان المرض يأخذ منك قليلا قليلا حتى خلت الساحة منك بل ومن كل غزاة الإبداع أيها الفارس فالآن قد رحلت حقاً.. د.أروى خميس: جاءت رسالته بمثابة الصدمة التي كشفت عن جانب من شخصيته وعن حديث تأثر أروى بإبداع القصيبي قالت: أذكر في يوم كنا في نقاش حول روايتك "الجنية" وقتها قلت إنني " قصيبية الهوى والذائقة" والتصق هذا الوصف بي حتى غدوت أستقبل العزاء فيك من أهلي وأصدقائي رغم أنني لا أعلم كيف وُجدت في حياتي..كنت موجوداً دائماً تقرأني أبجديات قصائدك منذ أن كنت صغيرة..تظللني في خيمة شاعر ثم تغرق بي على حواف جزيرة اللؤلؤ.. لتعود وتقف بيني وبين شعر ناجي.. قصائد..روايات..مقالات وزخم لا ينتهي من أدب وفكر وثقافة شكلت وعي جيل بأكمله..كنت موجوداً في كل رف من مكتبتي..في حقيبتي..في السيارة..على الطاولة الصغيرة بقرب سريري..كنت هناك دائما موجودا بين أي كومة كتب...! ومضت خميس تصف رحيل فارس الإبداع بقولها: كنت أعرفه جيداً دون أن يعرفني لذا حين خطرت لي فكرة أن يقرأ مخطوط كتابي "على الأرجوحة تتناثر الأسرار" ..كان لدي هاجس شرير: فكم كتاباً قرأته له؟! أليس من حقي أن يقرأ مسودة مخطوط لإحدى بناته؟! لذا بعثت له بأوراقي وذهني خال من أي توقع، إلا أن رده جاء فوق توقعي..وكأنه برده يمنحني قوس قزح ملونا.. وكأنه يأخذني كطفلة من يدي ويدعوني للتزحلق على قوس السماء ويعدني بعده بقدر حلوى في طرفه..! وقد قبضت على ذلك الإحساس الغامر بالامتنان والفخر وأودعته قارورة في قلبي كلما عصفت بي رياح الحياة أفتحها لأقرأ صوته يقول لي: شكرا أروى..! وأضافت أروى بأنها من تقول له اليوم شكراً..شكراً، مؤكدة على أنها تعلم بأن حكايتها مع فقيد الثقافة ليست متفردة، وبأنها تتكرر مع كل من أحبوه، معربة في حديثها عن مشاعر الحزن بقولها: ماذا نفعل إذ كانت لديه القدرة على أن يمنح كل شخص تعامل معه إحساساً بأنه متفرد وخاص ونسيج وحده؟! واختتمت أروى حديثها قائلة: يا وزير الأمل- كما سمّاك الدكتور سلمان العودة- رحمك الله وأثابك الجنة بما أدخلته من سرور وفرح وسعادة على قلوب الكثيرين..بما أضفته من علم وثقافة وفكر لحضارة أمتنا ..وجمعنا بك على سرر متقابلين نحن ومن تحب..وكلنا في أتم نعيم وأجمل صورة..بل وفي عمر واحد..! وعن جانب آخر من حياة فقيد الوطن وصف الدكتور أحمد حسين عسيري بأن القصيبي ترجل فارسا لتبقى مآثر الكلمة الراقية، في تمازج إعجازي بين الإدارة والأدب، فكرا وشعرا ونثرا، مشيرا إلى أن أبا يارا حاكى معجبيه الذين طالما كان حاضرا لديهم وماثلا في أذهانهم، ليكون بذلك مالئ الدنيا وشاغل الناس، مشبها فقيد الثقافة والأدب بالمتنبئ في بلاغته وشعره ،ومؤكدا على أن القصيبي ظاهرة فريدة، ملأ الدنيا بأدبه الإداري استثناء صاغه بكل اقتدار، وغذاه عبر تجربة رائدة في عمق معترك الحياة الاجتماعية والسياسية والأدبية..لتصبح مرجعا ومسارا لجيل نشأ وترعرع على أدبيات غازي القصيبي، غذاء روحيا، وإثراء معرفيا، ومكتسبا تربويا وتعليميا. واضاف عسيري بحديث ملؤه الأسى قائلا: هو شاغل الناس في جزالة عطائه وكريم خلقه وتعدد مواهبه،ليشكل سؤالا يطرح نفسه، اهو المفكر المخضرم أم الأديب الشاعر؟ اهو السياسي المحنك أم المناظر الملهم ؟ أم هو المستشار الصائب أو السارد المؤرخ ؟ ويقينا انه يفخر دائما وكما عرف عنه بأنه مواطن ينتمي إلى هذه الأرض الطيبة، وثانيا مسئولا جل اهتمامه خدمة مجتمعه، نشأ على حب الوطن، وامتلك قلبا كبيرا ناصعا وسع كل من عرفه، حتى من اختلف مع غازي القصيبي احترم فيه نقاشه الموضوعي والمهذب النابع من معين لا ينضب لمخزون ثقافي ومعرفي عززه تنوع في قدرات اقل ما يمكن أن يقال عنها إنها فعلا استثنائية، جيرها بكل عزيمة وإصرار وتفان لخدمة دينه ومليكه ووطنه، فكان محل ثقة ولاة الأمر حين تسلم مسؤولية ضخمة في وزارة الكهرباء لإحداث نقلة نوعية من الظلام إلى النور الذي شع في ربوع البلاد، وكان باعثا للأمل وصديقا لكل المرضى وزميلا مقربا لكل من عمل مخلصا عندما تطلب الأمر دوره الريادي للإسهام في وزارة الصحة. واختتم عسيري حديثه مشيرا إلى ما وضعه فقيد الإبداع في مشواره الأخير، وذلك من خلال وضع أسس متينة في وزارة العمل تدعو للتفاؤل في حل مشكلة البطالة التي تؤرق الجميع..مؤكدا على أن غازي القصيبي الذي وبجدارة حاز الإبداع والعطاء والتميز.. لم يزده ذلك إلا تواضعا ومحبة في قلوب فطرها رحيله الذي ليس منه بد، محتسبا بتسليمنا بمشيئته تعالى وقدره، التي لا نملك إلا صادق الدعاء له بالرحمة والسعادة الحقة في دار الخلود انه سميع مجيب. اعتدال الذكرالله: جمع في قامة التجديد أصالة جمعت أطيافاً من الإبداع المتجانس من جانبها ذكرت الشاعرة اعتدال موسى الذكرالله بأن المُتصفِّح لدواوين الشَّاعِر الوزير " غَازِي عبد الرحمن القُصَيبي " الشِّعريَّة بِكافَّة أَطْيافِها الفنيَّة ابتداءً من ديوان " معركة بلا راية " 1970م مرورا ب" أشعار من جزائر اللؤلؤ " وأخيرا في النَّقلة الصَّاعدة في الحداثة الشِّعريَّة بديوانه " سحيم " تتجسَّدُ إليهِ قامةٌ من قاماتِ الشِّعرِ العربي التَّليد ِوالمُضمَّخة بِعبَقِ الأصالةِ وعنفوانِ التَّجديد ِ فتارةً يجدُ القُصَيِبي الشَّاعرَ الكَلاسِيكِي ذا الطَّابع التقَّليدِيّ الأصيلِ والمزمَّلَ بدِثَارِ التُّراثِ القديم ِ وأخرى يتلبَّس بطابِع الشّعْرِ المُرسَلِ المُتحَرِّرِ مِنِ القَافِيةِ الواحِدة والمُحتفظِ بالإيقَاعِ المُموسَقِ وما بين البين يقفزُ هَاشَّاً باشَّاً هاجِراً الوزنَ والقَافِيَة فيكتبُ الشِّعرَ الحداثي الأنيق !! وقالت اعتدال: في خِضَمِ أَطيافهِ الشِّعريَّة تلكَ والمُتباينةِ الرُّؤى تتكاملُ آيدولوجِّيتِهِ الإبداعيَّةِ في أزهى صورها وأنقى سرابيلها والتي لن يُغيِّبها عنَّا الموت ُ الذي اختطفَ غازينا المبدعَ الأصيل منَّا ظهيرةِ الأحد الخامس من شهر رمضان المُبارك وستَبقى ما بقتْ للجمالِ صورةٌ وللإبداع بصمة ٌ وللِخُلودِ رايةٌ في تاريخِ أدبنا العربي الأصيلِ . أما عضو نادي الأحساء الأدبي القاص حسن علي البطران فقال: يبقى غازي القصيبي في الذاكرة ما بقيت نتاجاته وخلاصة فكره ، وأنها ستبقى وسوف يخلد بها فغازي كتلة من الثقافة والإبداع بل بئر إبداع وبحر يتلاطم بمده وجزره ، عرفنا غازي كشاعر وروائي ووزير وسياسي وعرفناه كإنسان ، عرفناه في مجالات شتى وكان متوزانا وإن لعبت الرياح في سفينته فإنه يبقى ثابتا متوازنا على ظهرها عرفناه هكذا ، غازي الروائي كم شغل العالم العربي بكتاباته الابداعية فالكل لا يغفل عن رواية ( شقة الحرية ) وما كان فيها من أطروحاتٍ فتحت آفاقاً ونشرت الجديد ، وكذلك ( العصفورية ) و ( الجنية ) و( دينسكو ) و( أبو شلاخ البرمائي ) وأخيرا قصته التي كتبها ساعات مرضه ( الزهايمر) وغيرها من الكتابات الأدبية والفكرية والسياسية وفي علوم الإدارة ... وأضاف البطران بأن المتأمل في هذا الرجل يدرك أنه موسوعة ثقافية عربية واسعة وعميقة وكتاباته لا تخلو من الطرافة ومزجها بالإبداع الذي في نفس الوقت يحاكي فيها الأوضاع الراهنة بنقد ٍ مرة يكون لاذعاً وأخرى أقل وطأة ً .. واختتم البطران حديثه قائلا: كان غازي ناقدًا من خلال كتابته نقدا بناء يعالج بوصفاته الفنية بعض الخلل التي تعيشه المجتمعات العربية والمحلية .. غازي شخصية لن تتكرر في تاريخ الأدب العربي المعاصر فهو "" أمة في رجل "" فرحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه.. البطران: شكلت كتاباته آفاقاً جديدة في تناول الأفكار وجرأة الإبداع المتزن