حوّل إلي صديق رسالة ظريفة وصلته بالبريد الإلكتروني عنوانها: ظهر صلاح الدين. ومختصرها أن الناس تعودوا كل يوم أن يقنتوا في صلاتهم طالبين من المولى سبحانه أن يبعث صلاح الدين ليحرر القدس كما حررها من الصليبيين. وفي أحد الأيام ابتهلوا في الدعاء حتى سالت دموعهم، ولما خرجوا من المسجد فوجئوا بالأرض تنشق ويخرج منها فارس ممتطياً جواده مستلاً سيفه وهو يقول: أنا صلاح الدين. كانت هيئته تشبه ما في مخيلتهم عنه رحمه الله، فأخذوا يكبرون. أما هو فصاح فيهم: لقد أضعتم فلسطين، وها أنا قد بعثني الله لأحررها، فهيا أعدوا لهم ما استطعتم! وجم الناس وخيم السكون على الموقف. لكن شاباً قطع الصمت وقال له: أنا أستعد للزواج، ولا أستطيع أن أخرج معك، فأنا لم أستمتع بحياتي بعد، فليذهب معك المتزوجون فكفاهم ما أخذوا من هذه الحياة! فقال متزوج: عندي عيال ولا أستطيع أن أضيّعهم! فليخرج معك الذين ليس في رقابهم أسر! وقال تاجر: أنا آتي للناس بالبضائع التي يحتاجونها، فإذا ذهبت معك فمن يؤمّن لهم حوائجهم؟ فليذهب معك طلاب الجامعة! أنا سأدعو لكم خلف كل صلاة، فانبرى طالب ليقول... هنا صاح أحد الناس: من الغد سندعو ربنا أن يبعث جند حطين من قبورهم ليقاتلوا مع صلاح الدين! أمهلنا أيها الفارس إلى الغد! ويوم واحد في عمر الدنيا ليس بالزمن الطويل! هذه الرسالة تحكي حالنا جميعاً، فثقافة (قم يا صلاح الدين) في عروقنا. وأهل الشعر يستطيعون أن يحصوا لنا كم قصيدة قيلت في صلاح الدين، وكم قصيدة نادته ليقوم ويحرر القدس. ومنذ أن بدأت الغارات على غزة ونحن نعيش في حالة تنظير لما يجب أن يعمله غيرنا، وقلة منا من فكروا بما يجب علينا عمله. ولهذه الأسباب فقد أعجبتني المداخلة التالية التي أنقلها من أحد منتديات الإنترنت. تقول صاحبتها: (اسمحوا لي بمداخلة أنقل لكم فيها - باختصار - ما دار في غرفة المعلمات في المدرسة. فمنذ السبت والنقاش على أشده. وكل واحدة تنقل لنا ما شاهدته على القنوات. وكأننا نعيش في عصر جدتي التي كانت تملك المذياع الوحيد في الحارة وكانت الجارات تأتي إليها لتحدثهن عن أخبار الحرب العالمية الثانية. اليوم فقط استطعت أن آخذ زمام المبادرة، واستطعت أن أقول بأننا جميعا نرى ما تنقله القنوات، فلا داعي لتكرار ذلك، فليس بيننا واحدة غير مبالية بما يجري! ثم قلت لهن: بدلا من أن نقترح ماذا يجب أن تعمل الجهة الفلانية وماذا على القمة الفلانية أن تتصرف، دعونا نتدارس ماذا يمكن للحاضرات في هذه الغرفة أن يفعلن. ساد صمت في البداية، ولكن تشجعت إحداهن وقالت: الدعاء. قلت: مهم وضروري وجيد. لكن أليس حرياً بنا أن نتلمس أسباب الإجابة؟ سألت إحداهن: وما هي؟ قلت: الإخلاص والدعاء مع اليقين بالإجابة... الخ مما تعلمناه ونعلمه لتلميذاتنا. قالت أخرى: التبرع بالمال. فردت ثالثة: أنا لا أتبرع إلا لأعمال الإغاثة ولا أريد أن أساهم في عمل الصواريخ؟. ردت رابعة: أما أنا فأقول إن الجهات الرسمية والخيرية كلها ترسل تبرعاتها لأعمال الإغاثة، لكن من يرد العدوان إلا الصواريخ التي تروّع العدو وتساهم في تشجيع الهجرة المعاكسة من فلسطين؟ أضافت أخرى بأنها ستتبرع بالدم للجرحى. لكن واحدة معروفة بأنها من أصحاب الفكر قالت: كل ما قيل جميل ومطلوب، لكنه رد فعل على ما جرى! أليس حرياً بنا أن نعمل على المدى البعيد أعمالا ليست ردة فعل؟. فقالت إحداهن: نعم. هذا هو المطلوب دوماً وليس في هذه الأزمة فقط. فسألت واحدة: مثل ماذا؟ أجابت تلك: إننا مدرّسات فليكن عملنا الإيجابي من صميم تخصصنا! يجب أن نقوم بعملنا خير قيام لنربي أجيال الطالبات على إتقان العمل، وبهذا فإننا نساهم في بناء أوطاننا. وإذا فعل كل واحد منا هذا فسنصل إلى المساهمة في بناء الحضارة وسنكون أمة عظيمة تهابها الأمم الأخرى فلا تجرؤ على مهاجمتها. وهكذا استمر النقاش وخرجنا بعدة نقاط اتفقنا على تنفيذها لنكون فاعلين بدلاً من أن نكون سلبيين). أعجبني في هذه المداخلة ضرورة أن يقوم كل واحد منا بشيء إيجابي بنّاء، وأن يتقن كل واحد منا عمله مدى الحياة ليساهم في بناء الوطن وتقدم الحضارة، عبادةً لله وليس إرضاءً لأحد. وأختم باقتراح قال به أحد طلابي بأن يتم إعطاء درجات لمن يتبرع بالدم، فأجبته: هذا يزيد عدد المنافقين. فالأستاذ يجب أن يعطي الدرجات على الواجبات والاختبارات وليس على أي شيء آخر. أما التبرع بالدم فثوابه عند الله الذي وعد بألا ينقص أحدا من فضله. ثم إن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى نشوء السوق السوداء لبيع شهادات التبرع بالدم... فنكون قد فتحنا باباً للفساد. والمتّقون يتبرعون بالدم دون أن يخبروا أحداً! لأن الذي سيعطيهم الأجر على عملهم يعلم السر وأخفى. ونسأل الله أن يعيننا على الإخلاص في النيّة. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]