تفاءلت تقارير مالية متواترة بالميزانية السعودية المعلنة منتصف الأسبوع الماضي على الرغم من إعلان الحكومة عن عجز متوقع في ميزانية 2009 ،لأول مرة منذ 2004،بسبب إبقاء الإنفاق المخطط له عند مستويات عالية،حيث قدمت عدة مؤسسات مالية تقارير مختلفة "التحليل" و"النتيجة" إلا أنها جميعها تؤكد على متانة الاقتصاد السعودي أمام التحديات الراهنة. ومن أكثر التقارير تفاؤلاً التقرير الخاص ببيت الاستثمار العالمي (غلوبل) الذي توقع تحول عجز الموازنة السعودية في العام المقبل المقدر ب65 بليون ريال إلى فائض، فبحسب ثلاثة سيناريوهات "محصتها" الشركة يتوقّع أن تسجل السعودية عجزاً في حدود 2.3 بليون ريال في أسوأ الاحتمالات، بينما يمكن أن تسجل فائضاً مالياً يتراوح بين 79.5 بليون ريال إلى 218.7 بليونا في أفضل وأكثر الاحتمالات. وذكر التقرير أنه على رغم أن التباطؤ الاقتصادي في جميع أنحاء العالم لا يرسم صورة متفائلة للغاية عن وصول أسعار النفط إلى ارتفاعات قياسية جديدة في المستقبل القريب، فإننا نرى أنّ النتائج الفعلية للعام 2009 قد لا تتمثّل في عجز في الموازنة، ونتوقع تجاوز النتائج أرقام الموازنة بما يؤدي إلى تحويل العجز في الموازنة إلى فائض. وبحسب"غلوبل" يتوقع أن يتراوح الإنتاج النفطي السعودي من 7.5 ملايين برميل يومياً في أسوأ الأحوال إلى 8.5 ملايين برميل في أفضل الأحوال خلال 2009، وتوقع أيضاً أنّ يتراوح سعر النفط العربي الخفيف من 55 إلى 65 دولاراً للبرميل في أسوأ الأحوال وأفضلها، ولجهة النفقات الإجمالية المتوقعة في هذا التحليل، فهي تتراوح من 25 في المئة إلى 27 في المئة مقارنة بالنفقات الحكومية المقدّرة في موازنة العام 2009. وأشار إلى أن السعودية حققت إيرادات نفطية استثنائية خلال الطفرة النفطية الأخيرة ليقدّر إجمالي الإيرادات النفطية بقيمة 1.1 تريليون ريال العام الحالي، بزيادة سنوية تبلغ نسبتها 71 في المئة عن إجمالي الإيرادات الفعلية المسجّلة في عام 2007، كما حققت فائضاً قياسياً بلغ 590 بليوناً. من جانب آخر قال بنك "ستاندرد شارترد" ان السعودية تتمتع بوضع مريح لمواجهة الركود الاقتصادي العالمي في العام المقبل بسبب انخفاض الدين العام واحتياطيات النقد الأجنبي الكبيرة الموجودة لديها. وأضاف ان الموازنة السعودية وضعت العجز المذكور (65 بليون ريال) بسبب تراجع الإيرادات تأسيسا على تراجع أسعار النفط بنسبة تلامس 75% مقارنة بمستوياته القياسية البالغة 147 دولارا للبرميل في شهر يوليو الماضي علما أن المصرف يتوقع أن يصل معدل السعر إلى 58 دولارا للبرميل في العام المقبل. وقبل بضعة أيام من اعلان الميزانية اصدرت شركة "جدوى" للاستثمار تقريرا ذكرت فيه "من المتوقع أن تأتي إيرادات النفط أقل بواقع 40 في المائة عام 2009 مقارنة بهذا العام لكن لن يدفع ذلك الحكومة كي تخفض من حجم الإنفاق حيث لا تزال إيرادات النفط تفوق ما أنفقته الدولة، حيث نقدر أن إنفاق الحكومة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بلغ نحو 60 في المائة من عائدات النفط، كما يعتقد أن الحكومة سترفع من حجم إنفاقها بمعدل 10 في المائة العام المقبل".وأكدت "جدوى" في ذات التقرير أن الزيادة في الإنفاق الحكومي ستتواصل رغم ذلك عام 2009 حتى في ضوء احتمال أن يؤدي ذلك إلى ظهور عجز ضئيل في الميزانية، والذي يمكن تغطيته بسهولة بالسحب من الاحتياطيات الأجنبية للدولة. كما أكد أن الحكومة لن تلجأ إلى خفض الإنفاق في حال شهدت أسعار النفط تراجعا خلال الفترة المقبلة. وقال العساف في تصريحات أمس إن احتياطيات السعودية المالية ضخمة وكافية لاستيعاب عجز في الميزانية يتجاوز العجز المتوقع في ميزانية عام 2009 والمقدر بنحو 65 مليار ريال (17.33 مليار دولار)، لافتا إلى أن المملكة ستتمكن من سد العجز من الاحتياطيات التي تراكمت خلال ارتفاع أسعار النفط في السنوات السابقة، حيث كونت احتياطيا كبيرا وقويا يمكنه تغطية أكثر من العجز المتوقع إذا ما انخفضت أسعار النفط عن المستويات المفترضة في الميزانية. والمعلوم أن الدولة قدرت الإيرادات للعام المقبل بنحو 410 مليارات ريال، فيما قدرت النفقات بنحو 475 مليار ريالا. تعقيبا على ذلك، تحدثت “الرياض الاقتصادي"مع عبدالحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودي الذي قلل من أثر "العجز المفترض" وقال" العجز المقدر الذي أعلنت الموازنة السعودية بالطبع هو عجز متدنٍ جداً، يكاد لا يتجاوز 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، ويبدو صغره كذلك بمقارنته مع الفائض الفعلي المتحقق خلال عام 2008م البالغ 590 مليار ريال، أي ما يقارب ال 34 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد". واستطرد، بالبحث في ما وراء رقم العجز المقدر، فإن حتى إجمالي الانفاق المقدر لعام 2009م 475 مليار ريال، يظل أيضاً أقل حتى من الفائض الفعلي المتحقق، وبغض النظر عن أي توقعات أخرى قد يصل بها حد التشاؤم إلى أقصى حدوده، فلا شك أن الفوائض المالية الضخمة التي توافرت للمالية السعودية في الوقت الراهن التي تعادل تقريبا حجم الاقتصاد السعودي برمته 1.7 تريليون ريال، قادرة تماماً ليس فقط على تمويل أي عجز محتمل في الموازنات الحكومية للسنوات الثلاث القادمة، بل إن لديها القدرة حتى على تمويل كامل المصروفات الحكومية لثلاث أو أربع سنوات قادمة دون أن تضطر المالية السعودية للاقتراض. وساق العمري ضمن تحليله سبعة اعتبارات هامة،حسب وصفه، ومشجعة وفقاً للأرقام والتقديرات المتوافرة والمعلنة،أولها،أن أي عجز محتمل في الموازنات القادمة (إلى 10 سنوات) سيتم تمويله من الاحتياطيات الضخمة المتوافرة، ولن تضطر الدولة إلى الاقتراض محلياً أو خارجياً. ثانيا،حسب ما يتوفر للدولة من احتياطيات ضخمة فإن ذلك يعني أنها لن تتسبب في مزاحمة القطاع الخاص على السيولة المتوافرة لدى القطاع البنكي، مما قد يهدد قدرة القطاع الخاص على مواصلة وتيرة توسعه، وهذه المعضلة التي واجهت الاقتصاد في العقدين الماضيين، وتسببت في تعثر الاقتصاد السعودي كثيراً، ولكن في الوقت الراهن من المستبعد تماماً أن تتكرر تلك المزاحمة الضارة. ثالثا،بموجب هذه الفوائض الضخمة، فإن الحكومة تتوافر لديها القدرة أيضاً على سد أي نقص محتمل في مقدرة البنوك المحلية على تمويل احتياجيات القطاع الخاص من السيولة، وذلك عبر ضخ مزيد من الأموال إما عبر صناديق التنمية الصناعية والعقارية، أو عبر تسريع دفع مستحقات المشاريع والمناقصات الحكومية. (وهذا ما جرى فعلاً حينما ضخت الحكومة عام 2008م نحو 10 مليار ريال إضافية لبنك التسليف، كزيادة على الحصة السنوية البالغة 5 مليار ريال لصناديق التنمية المختلفة، التي أُقرت نهاية 2007م بواقع 25 مليار ريال لتلك الصناديق لفترة خمس سنوات تبدأ من 2008م وتنتهي في 2012م، ومن المتوقع أن نشهد مزيداً من الدعم في العام القادم لتلك الصناديق). رابعا،ستكون الفرصة مواتية جداً أمام الحكومة والقطاع الخاص خلال الثلاث سنوات القادمة لتنفيذ جميع المشاريع التي تأخرت إما بسبب ارتفاع الأسعار، أو لتعذر وجود مقاولين للعقود العملاقة، إذ أن الوضع العسر الذي ستمر به أغلب اقتصادات العالم سيفضي إلى توافر الكثير من القدرة للتعاقد مع الشركات العالمية للعقود الضخمة وبالأسعار المناسبة لنا في السعودية، وفي أعتقادي أن تفويت مثل هذه الفرصة سيكون خطأً فادحاً جداً وقد نندم عليه كثيراً مستقبلاً.خامساً، ما تقدم سينعكس على إيجاد فرص جديدة وتعويضية للاقتصاد السعودي، يمكن معها زيادة جاذبية الاستثمار المحلي لاستعادة أموالنا الهاربة، ولاستقطاب المزيد من التدفقات الاستثمارية الأجنبية، وبالتالي خلق فرص عمل كريمة للمواطنين والمواطنات، وتحسين مستويات الدخول الحقيقية، وهذا سيعالج كثيراً مشاكل طالما عانى منها الاقتصاد والمجتمع ممثلة في ارتفاع مستويات الفقر والبطالة لدينا.سادساً، سيساعد تحقيق ما تقدم على تعزيز قدرة الاقتصاد السعودي على المزيد من التنوع الإنتاجي، والذي سيفضي إلى قدرته التنافسية، ومستويات استقراره، وخلق فرص حقيقية لنموه. سابعاَ،لتحقيق تلك الامتيازات المستحقة أمام الاقتصاد السعودي، فلا بد من إجراء غربلة شاملة ومعالجة عميقة لكافة السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والتجارية والاستثمارية القائمة الآن.