الرئيس الأميركي جورج بوش غير الذكي عادة، والمتهور والمندفع جداً في رد فعله السياسي والعسكري، كان عكس ذلك كله حين "غزوة الأحذية" في بغداد، فلا بعد قذف الحذاء الأول، ولا بعد المتابعة السريعة بالحذاء الثاني، بان عليه التأثر والارتباك. ولا شك لدي أنه يتلقى تدريباً جيداً على كيفية التحكم والسيطرة على انفعالاته تجاه أسئلة الصحافيين القاسية في أي بلد يزوره أو حتى في بلاده أميركا، لكني أشك أنه تلقى تدريباً أو تطعيماً في الوقاية من الأحذية، غير أنه نجح هذه المرة، رغم الفاصل الزمني القصير بين قذف الحذائين، بالابقاء على الابتسامة ثابتة، والتحاشي المرن للمقذوفين، وسرعة التعليق على الحادثة فخراً وبلا تأثر. ويبدو أن الزميل الصحافي قد تأثر بعض الشيء بحديث الرئيس السوداني عمر البشير قبل خمسة أسابيع، حين جمع أميركا وبريطانيا وفرنسا تحت حذائه، فنجح في قذف حذائيه، ليبقى حافياً وسط زملاء المهنة، فلم يصب الرئيس الأميركي، وأصاب علم بلاده من خلفه. للأسف أن الجمهور سيرى الزميل منتظر الزيدي بطلاً، وهذا طبيعي، بينما هو تصرف معيب ومهين بحق الصحافيين عامة، أهل المهنة، قبل أن يكون إهانة للرئيس الأميركي جورج بوش أو غيره من الشخصيات. حذاء الزميل الصحافي منتظر الزيدي حوله إلى بطل، فالدعوات التضامنية مع حذائيه قد صدرت إلكترونياً، وعلى الجانب الآخر توالت الاعتذارات عما جرى. ولا شك في نيل منتظر الشهرة بديهياً، ولكن لا أظن صحافياً عاقلاً يريد أن يكون حذاؤه أو حذاءاه سبيلاً لشهرته وانتشاره. حتى الرياضيين يحققون بطولاتهم بأجسادهم وأقدامهم، وليس بأحذيتهم. ومن يحقق منجزاً، فهو عادة ما يعلق الشهادة على جدار صالون بيته، ويوزع الدروع في أنحائه، فهل سيعلق الزميل حذائيه في المجلس أم عند باب بيته؟ وسلفاً، هل سيطالب باستعادتهما من أمن الرئاسة العراقية؟ وهل سيعاند الأمن برفض تسليمه منجزه الإعلامي؟ التعبير الساخط بالطماطم والبيض الفاسد، عادة درج عليها الجمهور في غرب العالم وأقصى شرقه، وليس الصحافيين. فأهل الإعلام يتميزون عن غيرهم بصعودهم منبراً يمكنهم من نقل أسئلة العالم إلى مسؤول يسمح لهم بطرح أسئلتهم القاسية، إلا أن الزميل منتظر لم يستثمر الفسحة الممنوحة بتحضير أشرس الأسئلة المهينة للرئيسين الأميركي والعراقي، فاختار أسلوباً لا علاقة له بالمهنة، فالصحافي لسانه قلمه أوميكرفونه وليس حذاؤه. "غزوة الأحذية" أعادتني إلى تصرف آخر غير لائق في مثل هذه الأيام قبل خمسة أعوام، حين أعلن في مؤتمر صحافي عن اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وظهرت صورته، لتتحول القاعة إلى هرج ومرج وتصفيق، فلم أستطع حينها من تمييز الصحافيين عن مشجعي الكرة. فعلة الأحذية معيبة، وبادرة لا تليق بالمهنة ولا بأهلها، فأرجوا من الصحافيين عدم الدفاع عنها، وألا يوجدوا لها المبررات، فلا شيء يبرر ما جرى.