زمن مضى، وأزمنة مرت نتذكرها، ونستعيد تفاصيلها وكأنها لم تكن مرحلة مضيئة من تاريخ هذه الأمة المنكوبة، والمحاصرة بالمزايدات، والابتزازات، ووهم الشعارات. أزمنة جيدة رائعة تجسدت فيها مفاهيم الانتماء العروبي الحقيقي والمضيء. ونبتت في وعي أجيالها معاني القومية، والإرث الحضاري، والفكري، وتأصلت قداسة الجغرافيا، والتاريخ، والعرق، واللغة، وتوحدت الهموم، والتوجهات، والآمال، والطموحات، وتكرست في عمق أفكار الإنسان معنى أن تضحي، وتقدم، وتناضل من أجل القضية "العروبية" بامتياز، وليس الأيديولوجيا الحزبية، والطائفية، أو المذهبية. أزمنة نتذكرها، ونحزن، يصيبنا كثير من التفتت، والوجع، وخلال مرحلة التذكر هذه، والمراجعة، والفهم، والتحليل، والقراءة الناقدة لما جرى، وما يجري نهتدي إلى حقيقة أن كوارثنا، وانتكاساتنا، وتردي الشعور القومي لدينا كان بسبب حكم العسكر، وثورات العسكر، وأنظمة العسكر، ومخابرات العسكر. "وعسكر على مين يا عسكر ع الفلاحين يا عسكر وينهن ضباطك يا عسكر في الحمرا بتسكر، يا عسكر وعسكر على مين، يا عسكر" على رأي شاعر شعبي لبناني. أتذكر ونحن طلبة في العام 1956، أيام العدوان الثلاثي على مصر، كيف شخصنا زرافات ووحدانا إلى الكلية الحربية على طريق المطار القديم متطوعين للقتال في سبيل العروبة، وفي سبيل الجغراسيا، فوجدنا أن أمراء، ووزراء، وشخصيات اقتصادية، وفكرية، واجتماعية قد سبقونا إلى مراكز التطوع، وميادين التدريب، وكل واحد منهم يحمل هَمَّ العروبة، وهَمَّ الأرض، وإرث التاريخ المعرفي والنهضوي. ونتذكر، وما أكثر الذكريات، كيف أصابنا الذهول، والفجيعة، والانكسارات حين "تحطمت الطائرات عند الفجر" وهي في مرابضها بمطارات مصر، خلال الساعات الأولى من حرب 67.وكيف ضُلِّلنا كشعوب عربية، وخدعنا بالانتصارات الوهمية. حتى أصبح نشيدنا ما قاله الشاعر البائس المعذب أمل دنقل - رحمه الله -. عيد بأية حال، عدت يا عيد. بما مضى، أم لأرضي فيك تهويد. نامت نواطير مصر عن عساكرها فحاربت بدلاً منها، الأناشيد". أزمنة كان الوهم طعامنا، وكان الخداع، والكذب، والدجل بضاعة حكم العسكر في كل المشرق العربي. واليوم. اليوم. نسأل. ماذا بقي..؟؟ أصبحنا نحلم، ونستغيث أن تتفق منظمة التحرير، مع حماس.ويحافظوا على الدم الفلسطيني الذي أصبح يراق بالسلاح الفلسطيني. لا أمل. ولا رجاء.