إن حكم الله تعالى تتجلى في خلقه وشرعه، فما أكثر ما يختم سبحانه وتعالى آيات تشريعاته بقوله عز وجل: (وكان الله عليماً حكيماً)، (والله عليم حكيم)، (إن الله كان عليماً حكيماً)، ومنها في آية الميراث في سورة النساء: (يبين الله لكم ان تضلوا والله عليم حكيم). وفضل الله ورحماته تترى على مخلوقاته في ارضه وسمائه، وأحكامه وتشريعاته، فكم تواتر في القرآن الكريم في تضاعيف آيات الأحكام، تذييل بمغفرة الله ورحمته ولطفه وفضله، كما في آيات الأحزاب في معرض تربية زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين، حيث قال تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ان الله كان لطيفاً خبيراً)، ثم الآية التي تليها: (إن المسلمين والمسلمات) ختمت بقوله تعالى: (أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً). والله تعالى خلق الخلق وعلم حاجتهم الى ما يغذي أرواحهم، ويسمو بأنفسهم، ويغير قلوبهم، فشرع لهم عبادات في أزمنة وأمكنة ذات مشاعر وهيئات معينة، بسبل ربانية رائعة، كالعدد، العدة، الأسلوب، البدء والانتهاء، الأهداف والغايات، معالجة الأخطاء.. الخ، وسأذكر بعض اللمحات في قواسم ومواسم الإسلام، سيما القواسم المشتركة بين رمضان والحج: 1- القاسم الأول هو في الغاية من العبادة: وهو تحقيق العبودية في القلب ورسمها في الأرض وإظهار مشاعر التوحيد الخالص لله تعالى، والوصول لمقامات الإحسان والتقوى، والترقي في منازل الرضا والطمأنينة والعبودية الخالصة لله تعالي، ولذا أتى في نهاية آية فرض الصوم قوله تعالى: (لعلكم تتقون)، وأما في آية الحج: (الحج أشهر معلومات) فالله تعالى ختمها بقوله: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب). 2- القاسم الثاني في التربية الخاصة، فالصوم يربي المسلم على الارتفاع عن محبوبات النفس اللازمة له كالطعام والشراب والنكاح، فحينئذ يقودها ولا تقوده، ويضبطها ولا تربطه، وأما الحج فأظهر اثر تربوي له هو كان في ترك الوطن والأهل والأولاد، بل وترك اللباس المعتاد، والتخفف من جميع مظاهر الدنيا والانطلاق الى الله تعالى. 3- القاسم الثالث هو في عدة الأيام، فقد فرض الله تعالى رمضان شهراً كاملاً - رغم انه وصفه بأيام معدودات - وجعل أرومته وزبدته في آخره، حيث ان الناس حينئذ ظاعنون مقيمون غالباً، ثم يختم لهم بعيد الفطر البهيج، وكذلك الحج فرضه الله تعالى في شهر معلوم بأيام معدودات، لكن الله تعالى قيد زمنه، لاعتبارين أساسيين: @ أولاً: ان المجيء اليه شاق ومتعب، وهو مكان مخصوص (مكة)، فتهوي اليها الأفئدة من جميع البقاع، اذ انها عبادة جامعة بين التعبد (بالمكان، والزمان)، ولذا فتح الله سبحانه مجال البدء فيها من بداية شوال لمن اراد الاعتمار والتحلل فيكون متمتعاً، او يقرن العمرة بالحج فيكون قارناً، او يفرد الحج فيكون مفرداً، غير ان مكمن النشاط فيه هو في عشر ذي الحجة حيث يتم الحج الأكبر!. @ ثانياً: ان حصر زمن العبادة فيه مجال لاختلاط الناس بعضهم ببعض وتعارفهم، والاستفادة مما في ايديهم من تجارة او علم او أدب، وغيرها. رجالاً وركبانا على كل ضامر ومن كل ذي فج عميق أتيناه ونطوي الفلا من شدة الشوق للقا فتمسي الفلا تحكي سجلاً قطعناه ولا صدنا عن قصدنا فقد اهلنا ولا هجر جار او حبيب ألفناه 4- القاسم الرابع (عشر الموسمين): من أعظم القواسم بين عبادتي الصوم والحج ان جعل الله تعالي في كل منهما عشراً مفضلة مشرفة ويوماً او ليلة مفضلة، فرمضان المبارك هو ثلاثون يوماً، لكنه الله خص أواخره بعشر فاضلة، وخص هذه العشر بليلة القدر بالإضافة الى (الزكاة، القيام، الصلاة) ولذا شرفت (لياليه)، ثم انه جعل للحج زمناً قرابة شهرين وثلاثة عشرة يوماً، لكن الله خص فيها عشر ذي الحجة بالفضل وخص من هذه العشر يوم عرفة ولذلك شرفت (أيامه)، خاصة وقد شرع الله فيها العبادات في منى وعرفة ومزدلفة والنحر. 5- القاسم الخامس وهو من القواسم الجميلة يتجلى في اجتماع ثلاث شعائر ظاهرة في الموسمين، فأظهر شعائر رمضان هو الصوم وجعل الاعتمار من صوم العبادة فيه، وأما في شهر ذي الحجة فيحصل العكس اذ ابرز شعائره هو العمرة والحج وجعل الصوم صورة من صور العبادة فيه، ولأن اساليب تربية الإنسان متعددة فإن الله تعالى قد اوجب عليه عبادات متنوعة، فمنها ما يربي الذات ومنها ما ينشطها ويحفزها ومنها ما ينقل الأثر من الذات الى الآخرين، فأما ما هو متعلق بالذات كالصوم وقراءة القرآن الكريم، وأما في الحج فذلك ظاهر بأداء المسلمين للحج بشكل جماعي يجمع الملايين من الناس. 6- القاسم السادس وهو من القواسم التي تبين اثر العطاء بين الناس، قاسم لافت في التفاعل والعطاء والإلف الظاهر في زكاة الفطر وصلة الرحم في رمضان وصلة الرحم والإهداء والعطاء من لحوم الأضاحي والهدي في موسم الحج. 7- القاسم السابع والأخير، وهو انهاء غذاء الأرواح بأعياد وأفراح، حيث ان غاية السعد في الإسلام تحقيق صحة الروح بالإيمان وصحة البدن بالتنظيم والضبط فقد جعل نهاية هذين الموسمين عيداً بهيجاً يسن فيه البشر والفرح والسرور وكثرة ذكر الله وشكره وإظهار ذلك، وهذا من المعالم الواضحة في الإسلام ان ارتبطت العبادات والطاعات بالأعياد والفرح، ويقاربهما في ذلك عيد الأسبوع (الجمعة) كتاج للصلوات المفروضة وعبادات الأسبوع. من كل تلك القواسم، اتت فكرة تحريك دماء التغيير من جديد في ذات المشاركين والمشاركات بعقد النية للتعديل والتطوير والرقي واستغلال موسم عشرة ذي الحجة، فمن استطاع الحج فذاك فضل من الله ومن، ومن لم يستطع الحج قصداً (لغة) الى الله تعالى، ففي عمل الصالحات كل قصد للصالحات!. @ المشرف العام على مركز وموقع حلول للاستشارات والتدريب