تنازعت الأديان توجهات مختلفة الأهداف والمؤثرات فكان أن وُظّفت بمضامين مختلفة كوجاهات للخصومات والحروب بما أوحى كما لو كان كل دين - عبر مقارنة التحديات - قد أتى من إله آخر، وهذا طبعاً أمر غير منطقي، حيث أتى كل نبي نزيه النوايا والأهداف وسامي الغايات لكي يهدي مجتمعه إلى التوجهات الفاضلة الداعية إلى المحبة والسلام وتخليص الكائن البشري من مؤثرات الفردية والطموحات اللامشروعة ومختلف الانتهاكات والولاء للرب الواحد المعطي للإنسان ترف معيشته ونزاهة علاقاته ومستجدات علومه بتمييزه وحده بقدرات العقل.. وختمت الرسالات السماوية بما أوصله النبي محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين من حقائق إيمان حركت قدرات العقل نحو الأرقى وتخليص الإنسان من كل وسائل إضعافه أو ارتباطه بالتقليد أو الخرافة.. أتى الإسلام والمجتمع البشري قد مر بتجارب تاريخية قربته من دعوة الإسلام نحو المحبة والتسامح ونقاء العبادات.. لكن الإنسان أراد أن يطوّع مفاهيم العدل السامية لتكون استئثاراً لفئة دون أخرى حتى داخل المجتمع الإسلامي الموحد القدرة والتناغم في بداياته الأولى.. هذه الموضوعية ذات الشمول الإنساني هي التي جعلت العصر العباسي يتميز بتكاتف القدرات، حيث قدمت بغداد للبشرية الكثير من مستحدثات العلوم التي تكامل في طريق إعدادها جهد بعض أصحاب الديانات الأخرى والذين كان بعضهم على مستوى مشهود وقريب من سلطة الخليفة.. وكان الأخطر أن الديانات قد اُستغلت لتكون مؤثراً مباشراً في إعلان الحروب وتأجيج العداوات.. وإذا كنا نواجه حالياً سطوة تنظيم القاعدة المعادي لكل جديد حضاري والرافض لأي صاحب ديانة أخرى فإن المسيحية قد عايشت سطوة انغلاق وتسلط باسم الدين في العصور الوسطى وما بعدها، وهو تسلط يزيد في قسوته ونتائجه المؤلمة على ما يفتعله تنظيم القاعدة وما يماثله من جماعات أخرى متزمتة التطرف اخترقت عدة دول، ولعلها أكثر وضوحاً في لبنان عندما نستطلع بعض ما حدث في المخيمات وبعض ما طرح مؤخراً من كتب تتبنى مفاهيم لاهوت لا يقبل بها إلا البسطاء وذلك بالإيحاء أن أسماء بعض الزعامات الراهنة مبشر بها في عصور قديمة.. لحماية الدين من أن يكون سبباً لإشاعة العداوات والبغضاء وترصد كل مجتمع ضد الآخر وتخليص الإنسان من هذه الإعاقات كي ينطلق نحو هدف بناء مجتمع إنساني يعلي شأن الثقافات والقدرات الاقتصادية والعلمية أتت رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز - الأولى من نوعها - كي يدخل مثقفو الأديان في حوار يستقصي الحقائق الفاضلة ويجنب الإنسان مخاطر الأحقاد.. والتجارب التي لمسناها عملياً في مؤتمر مكة على مستوى إسلامي خاص، وفي مدريد على مستوى دولي مرموق، وأخيراً في نيويورك، تجعل الرؤية دولياً للملك عبدالله على أنه الرجل الذي لم يكتف بالقدرة الذاتية لوطنه ولا برصيد المشروعات الإنمائية الكبرى داخل مجتمعه ولكنه ارتفع إلى مكانة تقدير دولية تدعو القوى البشرية كي تستعين بمفاهيم الدين الصحيحة ونزاهة الثقافات لبناء مجتمع بشري قادر على محاربة الفقر والمرض وتخلف القدرات.. التفاعل الدولي وما حمله من ترحيب هو المتوج للملك عبدالله زعيماً إنسانياً وفكرياً يمارس مهمة إعادة صياغة تعامل المجاميع البشرية بما يلجم أسباب افتعال العداوات والحروب باسم الدين.. ألسنا في الشرق الأوسط لم نعد نستشعر الخطر من الصدام مع دين آخر، وإنما أصبحنا على درجة من الخوف مما يمكن أن يؤدي إليه صراع الطوائف من اختناقات قاتلة.. وفي الشرق الأوسط توجد قدرات طبيعية متفوقة على غيرها، لكن انصراف الإنسان فيه نحو الولاءات الطائفية أهدر امتياز تلك القدرات، وقبل ذلك عايشت أوروبا أشرس العداوات المحلية باسم الدين لكنها نجحت في تجاوز ذلك ليحل محله خطر آخر وهو تسييس الدين عالمياً مثلما تم تسييس الطائفية أوسطياً لافتعال مبررات التسلط وتجزئة المجتمعات بعداوات الحروب.. إن عالمية دعوة الرجل الرمز تأتي في وقتها المناسب، حيث إذا كان الانعزال في الماضي وتباعد المعلومات والحقائق وتكرس العزلة الجغرافية مموهاً ومستغلاً لتسييس الدين فإن المجتمع البشري المعاصر - الذي تمازجت فيه الثقافات وتوفرت دولية تبادل المعلومات وانفتحت المصالح المشتركة على اقتصاد عالمي متداخل الأهداف - يفترض أن يكون الداعم لهذا الرمز القيادي الملك عبدالله لكي يخرج العالم من مخاطر الماضي إلى وجاهة تعامل حضاري يليق بثقافة وعلوم هذا العصر..