"أبعدوا البقع السوداء عن ثيابنا البيض" ؟ الحج على الأبواب، وقوافل الحجاج بدأت تصل عبر البحر والبر، وأيام وتصل عبر الجو.. هي الشعيرة الرائعة التي تجمع المسلمين بكافة ألوانهم ومستوياتهم المالية والعلمية، بلباس واحد وصوت واحد (لبيك اللهم لبيك،لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، سواسية كيوم الحشر. الحج تلك الشعيرة التي شرف الرحمن بلدنا بصونها ورعايتها وتنظيم كل ما يتعلق بها، لتنظيم جموع ضيوف الرحمن من أنحاء العالم. طوال العام من بعد كل سنة يبدأ تدارس الأخطاء والبحث عن مخرجات جيدة ومنظمة للحج، وكل عام يتم تنظيم الطرق والمشاعر وتسهيل السير عبرها، الجهود تتوالى، والكل في حالة استعدادا وتأهب. كل ذاك ويستلزم منا الشكر والثناء، حيث يبدو الجميع في الوطن مستعدين لخدمة ضيوف الرحمن، شعباً وحكومة وكل الأفراد. ولكن هناك ثغرة لا بد من تلافيها وعاجلاً وحتى لا تبقى الحال على ما هي عليه، مع أصحاب عجلات السعي والطواف، وخاصة السعي، فقد كانت لي تجربة سيئة لمرتين، مرة أثناء الحج قبل عدة أعوام ومرة أثناء العمرة في شهر رجب الماضي، أما الحج فكان صاحب العربة يمكن أن أعتبره أسوأ رجل قابلته في حياتي وأين في رحاب المسجد الحرام. وكنت مجبرة على السعي بعجلة حيث كان الطواف في الدور العلوي مما جعل رجليّ لا تتحملان مزيداً من السير، فأخذت العربة المشئومة، ما أن ركبت العربة، إلا ونزل صاحبها شتيمة بكل من حوله، وكل جنسية نالت ما نالت من قذائفه، وما أن تحرك قليلاً إلا وضربة قوية على كتفي، ومد يده (القروووووش) ومن رعبي لم أعرف كيف أفتح الكيس، فعاود الضربة وهو يصرخ (القرووووش ولا.. أندري).. وبالطبع لا أستطيع ترك العربة، ولكن سهل الله وثبتت يدي وفُتح الكيس وناولته النقود.. ومضت الرحلة من سيئ إلى أسوأ، ما بين ضرب بالحجاج وسب ولعن ولم يسلم من ضرب العربة شيخ ولا عجوز.. ناهيك عن الألفاظ البذيئة والنكت والأشد منها قذارة مع من يمر عليه من سائقي العربات، وغم محاولتي وبعض من مررنا بهم تذكيره بالمكان المقدس والوقت المقدس إلا أنه لم يرتدع، وهذا ليس حالة أو حالتين لكنها موجودة، وقد تكون نسبتها الخمسين بالمائة، إذ حدث لي كما قلت في عمرة في رجب الماضي، وكان صاحب العربة أخف نوعاً ما من ذاك صاحب الحج إلا أن مزاحمته للناس وخروجه عن مكان سير العربات، وأيضاً اعتداءه على البعض بالألفاظ حتى وصل الأمر في آخر المطاف للشجار بالأيدي. مما جعلني أنقده المبلغ سريعاً وأكمل الباقي على قدمي. الحج والعمرة شعيرتان تحتاجان لأمان نفسي، هذا الأمان يوفره المكان والالتحام، وتوفره التقوى، واللطافة وحسن أداء المهمة، ولكن ما يفعله أصحاب العربات فيه الكثير من الاستغلال المادي وفيه الكثير من العنف سواء لراكب العربة أو للحجيج الذين تمر بهم العربة.. وبما أن أكثر الحجاج خاصة من آسيا الشرقية كبار في السن وبعضهم عجزة، فالرحمة واجبة. إن دافعي العربات بحاجة لرخص ليس فقط للعمل إنما أيضاً لحسن الخلق والتهذيب ومعرفة كيفية التعامل مع العجزة وكبار السن والمرضى، أيضاً بحاجة لكشف طبي يثبت عدم تناول هؤلاء للمحرمات. فإلى من يهمه أمر الحجيج جميعاً وخاصة إدارة الحرمين الشريفين، ومنظمي هذه الخدمة أو مؤسساتها، حتى لا تكون هناك بقع سوداء في ثيابنا البيض.