الحج والعمرة شعيرتان دينيتان في ملة ابراهيم فهما معروفان قبل الإسلام وانقلبا عبادة وثنية بعد أن كان الحج شعيرة دينية في ملة ابراهيم، وصارت المناسك الابراهيمية طقوساً وأعمالاً وثنية. وكان العرب حنفاء ومشركين يحجون ويعتمرون ويطوفون ويسعون ويعرفون التلبية وكانت لكل قبيلة تلبية خاصة بها، ولكن العبادات انقلبت من التوحيد إلى الشرك والوثنية. وكانت الكعبة المشرفة معروفة بالقبلة في الجاهلية يقصدونها بوجوههم سواء كانوا في الحرم أم كانوا بعيدين عنه، وكان أبوسيارة عميلة بن خالد العدواني يتولى السماح للحجاج في الجاهلية بالخروج من المزدلفة إلى منى، وقيل انه تولى ذلك أربعين سنة، وفيه قال الشاعر: خلوا الطريق عن أبي سياره وعن مواليه بني فزاره حتى يجيز سالماً حماره مستقبل القبلة يدعو جاره فقد أجار الله من أجاره وبلغ من تقديس الجاهلية للكعبة أن سنوا قوانين صارمة لدخول الحرم والطواف بها، فما كان سدنة الحرم يجيزون للحجاج أن يطوفوا بالبيت بملابسهم التي انتقل إليها الإثم منهم، بل فرضوا عليهم ان يخلعوها ويرتدوا ملابس خاصة بالسدنة المعروفين بالحمس، فإذا لم يجدوا وجب عليهم أن يطوفوا عراة، ولم يستثنوا النساء، بل فرضوا عليهن ما فرضوا على الرجال. وفي تاريخ مكة للأزرقي: إذا حج الصرورة من غير الحمس، والحمس: أهل مكة وكنانة وخزاعة ومن دان بدينهم من ولدوا من حلفائهم وان كان في غير ساكني الحل، والاحمسي: المتشدد في دينه، فإذا حج الصرورة من غير الحمس رجلاً كان أو امرأة لا يطوف بالبيت إلا عرياناً، الصرورة أول ما يطوف في ثوب أحمسي إما عارية وإما اجارة يقف أحدهم بباب المسجد فيقول: من يعير مصوناً؟ من يعير ثوباً؟! فإن أعاره أحمسي أو أكراه طاف به، وإن لم يعر ألقى ثيابه بباب المسجد من خارج ثم دخل الطواف وهو عريان، يبدأ بأساف فيستلمه، ثم يستلم الركن الأسود، ثم يأخذ عن يمينه ويطوف، ويجعل الكعبة عن يمينه فإذا ختم طوافه سبعة استلم الركن ثم يستلم ناثلة فيختم بها طوافه ثم يخرج فيجد ثيابه كما تركها لم تمس، فيأخذها فيلبسها ولا يعود إلى الطواف بعد ذلك عرياناً. ولم يكن يطوف بالبيت عريان إلا الصرورة من غير الحمس، فأما الحمس فكانت تطوف في ثيابها، فإن تكرم متكرم من رجل أو امرأة من غير الحمس ولم يجد ثياب أحمسي يطوف فيها ومعه فضل ثياب يلبسها غير ثيابه التي عليه، فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل، فإذا فرغ من طوافه نزع ثيابه ثم جعلها لقي يطرحها بين أساف وناثلة فلا يمسها أحد، ولا ينتفع بها حتى تبلي من وطء الأقدام ومن الشمس والرياح والمطر. قال الشاعر يذكر اللقى: كفى حزناً كرى عليه كأنه لقى بين أيدي الطائفين حريم يقول: لا يمس، فصار هذا كله سنة فيهم، وذلك من صنع ابليس وتزيينه لهم ما يلبس عليهم من تغير الحنفية دين ابراهيم. وجاء الإسلام ووكل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليحج بالمسلمين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. لقد طهر الإسلام الحج من الوثنية وجعله حجاً نظيفاً لا شرك ولا وثنية فيه ولا عري. فالذبح كان لغير الله، فجعله الإسلام لله وحده ونشير هنا إلى ان الضحية البشرية كانت معروفة في الديانات السابقة على عهد الخليل ابراهيم وقبل عهده، وأراد الخليل أن يضحي بابنه اسماعيل واستسلم الابن لأبيه طائعاً، وكلاهما راض بأمر الله حتى هيأ ابراهيم ابنه اسماعيل للذبح فأبدل الله به رحمة منه وفضلاً كبشاً يضحى به. وبذلك حرمت الضحية البشرية التي كان الوثنيات تجيزها. وتاريخ الضحايا البشرية في الديانات مزدحم بالكثير من المآسي والتوحش. وفي كتاب «الأزمنة» للإمام أبي علي ومحمد بن المستنير الشهير بقطرب المتوفى سنة 206ه 821م تفصيل لتلبية القبائل فذكر قطرب تلبية جرهم سكان البيت الحرام وهي: لبيك مرهوباً وقد خرجنا والله لولا أنت ما حججنا مكة والبيت ولا عججنا ولا تصدقنا ولا تحججنا ولا تمطينا ولا رجعنا ولا انتجعنا في قرى وصحنا على قلاص مرهفات هجنا يقطعن سهلاً تارة وحزنا أشرق كيما ننثني في الدهنا لكي نحج قابلا ونعنا نحن بنو قحطان حيث كنا ننحر عند المشعرين البدنا وتلبية خزاعة: ونحن من بعدهم أوتاد نحن ورثنا البيت بعد عاد فاغفر فأنت غافر وهاد وتلبية قريش: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك أبوبنات في فدك وتلبية كنانة: لبيك اللهم لبيك يوم التعريف يوم الدعاء والقوف وذي صباح الدعاء من تحبها والتريف وتلبية ثقيف: لبيك اللهم لبيك هذه ثقيف قد اتوك وخلفوا أوثانهم وعظموك قد عظموا المال وقد رجوك عزاهم واللات في يديك دانت لك الأصنام تعظيماً إليك وإذعنت بسلمها إليك فاغفر لها فطالما غفرت وتلبية هذيل: لبيك اللهم لبيك لبيك عن هذيل اولجت بليك تعدو بها ركائب ابل وخيل خلفت أوثانها في عرض الجبيل وخلفوا من يحفظ الأصنام والطفيل في جبل كأنه عارض مخيل تهوى إلى رب كريم ماجد جميل وتلبية الأنصار: لبيك حجاً حقاً تعبداً ورقاً جئناك للناصحة ولم نأت للرقاحة (النصاحة: الاخلاص، والرقاحة: التجارة) وتلبية اليمن: عد اليك عانية عبادك اليمانية كيما نحج ثانية على قلاص ناجية أتيناك للنصاحة ولم نأت للرقاحة وتلبية حمير: لبيك اللهم لبيك عن الملوك الأقوال ذوي النهي والأحلام والواصلين الأرحام لا يقربون الآثام تنزها واسلام ذلوا لرب كرام وتلبية قيس: لبيك أنت الرحمن انتك قيس عيلان رجالها والركبان بشيخها والولدان مذللة للديان وتلبية تميم: تالله لولا أن بكراً دونك مازال منا عتج: يأتونك بنو غفار وهم يلونك يبرك الناس ويفجرونك وتلبية بني أسد: لبيك اللهم لبيك ربنا أقبلت بنو أسد أهل الوفاء والنوال والجلد فينا الندى والذدا والعدد والمال والبنون فينا والولد الواحد القهار والرب الصمد لا نعبد الأصنام حتى تجتهد لربها وتعتبد لحجة لها الدماء وحجها حتى ترد وتلبية ربيعة: لبيك اللهم لبيك لبيك ربيعة سامعة مطيعة لرب ما يعبد في كنيسة وبيعة ورب واصل أو مظهر قطيعة وتلبية الأزد: يا رب لو أنت مار مينا بين الصفا والمروتين ذينا ولا تصدقنا ولا صلينا ولا حللنا مع قريش أينا البيت بيت الله ماحيينا ولولا الله ما اهتدينا بحج هذا البيت ما بقينا وتلبية علشه ومذحج: يا مكة الفاجر مكي مكا ولا تمكي مذ حجا وعطا فيترك البيت الحرام دكا جئنا إلى ربك لانشكا وتلبية كندة: لبيك ما ارسى تبير وحده وما أقام البحر فوق جده وما سقى صوب الغمام زبده ان الذي تدعوك حقا كنده في رجب وقد شهدنا جهده لا نرجو نفعه ورفده وهكذا نجد أن هذه التلبية الجاهلية تشير إلى ايمانهم بالله ولكنهم أشركوا معه غيره، وتؤكد انهم كانوا يصلون ويطوفون ويسعون ويذبحون ويحجون ولكن على طريقتهم الوثنية التي أفسدت ملة ابراهيم. فجاء الاسلام ليحقق التوحيد الخالص لله عز وجل وليحل محل الشرك والوثنية. وهذه هي تلبية الإسلام.. فقد جاء في الحديث الشريف ان تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم هي: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها: لبيك، لبيك وسعديك لبيك والرغبا اليك والعمل