لو سألت الناس عن أعظم أربع دول في العالم لأجاب معظمهم: أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا.. .. ولكن لو سألتني شخصيا سأقول: سويسرا والسويد وبريطانيا وهولندا! والفرق بين القائمتين هو فرق كمي (بالنسبة للدول الأولى) ونوعي (بالنسبة للدول الثانية)... فالدول الأولى جمعت بين التفوق الصناعي والعسكري، مع عدد سكان كبير وناتج قومي ضخم.. ولكن إذا نظرنا للموضوع بميزان التفوق النوعي (للفرد والمجتمع) لاكتشفنا تفوقا ملحوظا لسويسرا والسويدوهولندا.. فمن الناحية التعليمية مثلا تبلغ نسبة الأمية في هذه الدول (صفراً)، ومن الناحية الصحية تتمتع بأعلى متوسط أعمار في العالم، ومن الناحية الاقتصادية تتفوق على أمريكا وبريطانيا وفرنسا من حيث الناتج الفردي، كما تتفوق من حيث مساهمات مواطنيها في الناتج العلمي والإبداعي للبشرية ككل - بعكس اليابان والصين وروسيا مثلا التي تأتي في مراكز متخلفة من حيث الناتج العلمي لمواطنيها!! ولصعوبة الدخول في تفاصيل هذه الجوانب؛ دعونا نأخذ (جائزة نوبل) كمقياس للتفوق النوعي بين شعوب العالم (واخترتها بالذات كونها تشمل العلوم والآداب والطب والكيمياء والسلام...)! فمنذ تنظيم هذه الجائزة عام 1902نالتها: @ أمريكا 154مرة @ وألمانيا 51مرة @ وبريطانيا 48مرة @ وفرنسا 20مرة @ وروسيا 11مرة @ واليابان 8مرات ومن حيث (الكم) تبدو أمريكا متفوقة بلا شك؛ ولكن حين نقسم عدد سكانها الكبير ( 307ملايين نسمة) على مرات فوزها بالجائزة نكتشف أن مواطنا من بين كل مليوني نسمة نال هذه الجائزة.. وتتفوق عليها ألمانيا نوعيا كون مواطنا بين كل 1.6مليون نال جائزة نوبل (بقسمة 82مليون نسمة على 51مرة).. أما روسيا فرغم ثقلها الدولي إلا أنها تأتي في مركز متخلف يثبت ضعف مشاركتها في الابداع العلمي والطبي والأدبي - بل وحتى السلام العالمي ( حيث قسمة عدد سكانها الكبير 141مليون نسمة على مرات فوزها يعني اشتراك 12.8مليون مواطن روسي في جائزة نوبل واحدة)!! أما ما أثار استغرابي بحق (ويثبت وجود فرق بين التفوق الصناعي والريادة العلمية) فهو تخلف اليابان في نيل جوائز نوبل بمختلف مجالاتها (حيث قسمة عدد سكانها الكبير 128مليون نسمة على مرات فوزها بالجائزة يعني وجود شخص بين 16مليون مواطن نال هذه الجائزة)!! - والآن... لاحظ مايحدث حين نستعمل نفس الطريقة مع سويسرا وهولنداوالسويد... سويسرا مثلا لم تنل سوى 10جوائز خلال المائة عام الماضية؛ ولكن إذا قسمنا هذا الرقم على عدد سكانها الضئيل ( 8ملايين فقط) نكتشف وجود شخص بين كل 800ألف مواطن فاز بجائزة نوبل.. وهذا المعدل الرائع يعني أنها أكثر تفوقا (من الناحية النوعية) على أمريكا بمرتين وربع، وعلى فرنسا بأربع مرات، وعلى اليابان بواحد وعشرين مرة - ولو كان عدد سكانها يساوي أي من هذه الدول لأصبحت دولة (سوبر عظمى) لم يشهد لها التاريخ مثيلاً!! ... أما في المركز الثاني (في معيار التفوق النوعي) فتأتي السويد التي نالت 8جوائز لعدد سكان لا يتجاوز 9ملايين - وهو ما يعني - وجود شخص مبدع بين كل 1.12مليون مواطن استحق الجائزة!! ... أما في المركز الثالث فتأتي بريطانيا كون قسمة 61مليون نسمة على مرات فوزها يعني وجود شخص بين كل 1.27مليون مواطن نال جائزة نوبل!! ... أما المركز الرابع فتحتله هولندا التي أحرزت 11جائزة لعدد سكان لا يتجاوز 16مليون نسمة (وهو ما يعني وجود عبقري أو مبدع استحق جائزة نوبل بين كل 1.45مليون مواطن)! ... على أي حال: كما تثبت هذه الطريقة التفوق النوعي ( لسويسرا والسويدوهولندا) تثبت أيضا أن "الأمم العظيمة" لا تحتاج فقط الى تفوق "نوعي" بل وأيضا عدد سكان كبير وموارد طبيعية ضخمة (كما هي حال روسيا وأمريكا وبريطانيا)! ... أما بالنسبة لتخلف اليابان مع نوبل فأذكركم - ونفسي - بالمثل الشعبي: من كان بيته من زجاج.. لا يحذف "اليابان" بالطوب!