ما قيمة العمل إذا لم يشعر فيه الموظف أن سياج الأمن والسلامة يحيطه؟ وما قيمته أيضاً إذا فقد المبنى المقومات الأساسية للسلامة التي تسبب فقد الأنفس ولأرواح بريئة ليس لها ذنب سوى أنها أتت لتؤدي رسالة.. وكما قيل في الأقوال المتعارفة بأن من يده في الماء ليس كمن يده في النار.. أقول من واقع من يده في النار وأنا احدى منسوبات مبنى (3) وهو المبنى الأكثر شهرة بين مباني الإدارات النسائية الأخرى لوزارة التربية والتعليم وذلك لتكرار حالات الطوارئ فيه.. فأجراس الإنذار التي تحتبس داخله يعقبها صيانة بسيطة تعمل على تسكين روعة الخوف والقلق لدى الموظفات وتسكب بعض الطمأنينة المؤقتة داخلهن.. ليعدن لأعمالهن.. الوضع مستمر منذ العام الماضي.. وكأن لسان حال الواقع بعدم التجاوب الجاد يبرهن بأن العمل أهم من حياتهن فلا لوم عليهن عندما يعشن القلق المستمر.. فكل حركة وصوت غير مألوف تعني أن الموت قادم.. ذلك القلق المستمر.. فكل حركة وصوت غير مألوف تعني أن الموت قادم.. ذلك القلق النفسي جعل الموظفات يخرجن كل صباح مودعات صغارهن وأهاليهن حيث لا يعلمن هل يعدن أم لا.. والأعمار بيده سبحانه!! شخصياً عندما احتجزني المصعد صباح يوم ما حيث توقف عن العمل وأطفئت أنواره.. وجدتني وكأني في قبر مظلم تملكني الخوف والقلق وأنا أحاول إضاءة جوالي للضغط على جرس المصعد.. لا مجيب.. أيقنت أنها ساعة الموت قد أتت.. فجالت في مخيلتي كل الصور القاتمة ولإيماني أغمضت عيني وقلت قدر الله وما شاء فعل (هل شعرتم بما أحسست به؟) وصورة صغاري تتراءى لي وكانت صورة أصغرهم هي التي تؤلمني فماذا تفعل بعدي.. تألمت لأني أموت بعيداً عن أهلي فأضغط بقوة على الجرس لعل الله يكتب لي عمراً جديداً، لم أبك، لم أصرخ بل تملكتني مشاعر الاستسلام عندما طال الوقت ولم أجد من يجيب نداءات الجرس.. حتى أرقام الجوال بدت غير واضحة، لم أفكر سوى بترديد الأذكار والتشهد.. حتى قيض الله لي من تحاول الصعود بالضغط ففتحته وخرجت لعالم أكثر قلقاً.. المبنى الذي تعمل فيه أكثر من 250موظفة في 9إدارات مختلفة كانت مؤشرات الحوادث فيه بادية منذ مطلع العمل فيه فالمصعد الكهربائي كثيراً ما احتجز الموظفات في أيام عديدة لتعطله المتكرر ولا زال يتعطل بنسب أقل.. جهود الأخوات موظفات إدارة صيانة المبنى مشهودة من الجميع.. ولكن ماذا يمكن أن يعملن حيال أمور صيانة تخصصية دقيقة لا ينقذها سوى سرعة مهندس ماهر.. موظفات الدور الثاني - الأخير - هن الأشد فزعاً دائماً فلا منافذ ولا مخارج طوارئ بل ان جميع النوافذ بسياج حديدي سميك لا تسمح سوى بدخول الهواء والغبار وبعض الضوء.. أصوات النداءات للمسؤولين ارتفعت في تزايد كبير للنظر بجدية حول حلول عاجلة وفاعلة للحوادث والكوارث المتكررة في المبنى.. نداءات وسائل الإعلام وقبلها خطابات مديرات الإدارات في المبنى وملاحظاتهن على ضرورة الصيانة الشاملة للمبنى إلا أن الاستجابة تتباطأ.. والوضع ما زال مستمراً ولا نعلم إلى متى؟ مؤخراً كانت حادثتين طارئتين خلال أسبوع واحد كانا في استقبال الموظفات صباحاً مما استدعى إخلاء المبنى.. اليوم يخلى وهن أحياء.. هل ننتظر اخلاءه بعد.. لا سمح الله الصيانة المطلوبة للمبنى لابد أن تعمل أيضاً على تأهيل الموظفات على كيفية التصرف السليم في مثل هذه المواقف خاصة وأن عدداً من الحوادث التي تسببت فيها بعض الموظفات.. لا نريد سوى تجاوب وتدخل عاجل وسريع من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم لمعالجة الأمر قبل أن يستفحل لكوارث أكبر. لا نريد حوادث وكوارث غير مسؤولة تدعو المسؤول للتحرك في مساحة الوقت الضائع وبعد فوات الأوان!!! حوادث مثل حادثة مدرسة مكة الشهيرة تضيف على وزارة التربية والتعليم أعباءً قد لا تحتملها.. اللهم قد بلغنا.. اللهم اشهد..