الجفري على الصعيد الثقافي والإبداعي اسم محفور على صخر المرحلة الناصعة من مراحل الثقافة المحلية فقد كانت اسهاماته في تأسيس الصحافة الثقافية في مرحلة لم تكن الصحافة تسير وفق النسق المؤسساتي فعمل بدأب لإرساء المعايير سواءً في تأسيسه لملحق الأربعاء في صحيفة المدينة أو عمله في صحيفة الشرق الأوسط الدولية بمؤازرة من الناشر الراحل هشام حافظ وصولاً إلى عمله في صحيفة الحياة اللندية صحفياً وكاتباً. ويلتصق اسم الجفري بيوميات الإنسان العادي حيث تلامس كلماته الأنيقة صبيحة كل يوم منذ سنوات طويلة عبر عموده "ظلال" في أكثر من موقع حتى استقر في صحيفة عكاظ قبل رحيله بأشهر. لا يمكن لمتحدث أن يتناول جانباً واحداً من شخصية متعددة المواهب والسمات والإشراقات مثل عبد الله الجفري فقد كان أبو وجدي نموذجاً لن يتكرر في ساحة الإبداع العربي والسعودي على وجه الخصوص؛ فهو إنسان من طراز نادر لا يمكن الحكم على شخصيته كما يحصل مع كثير ممن عرفناهم فقد كان صاحب وجه واحد إن أحب أحب بعمق وإن غضب لم يكن ليريك من طرف لسانه كلمات لا تعكس مافي روحه بل يعاتب كما يعاتب الإخوان والآباء، وينظر إلى كل من في الساحة باعتبارهم أفراد أسرته فلا يتورع عن إعلان محبته للجميع والترحيب بهم في أي منتدى يلقاهم. ولا ينسى الجيل الشغوف بالقراءة والإبداع إنجازه في المجاميع القصصية والروايات والكتب العاطفية التي قدمها الجفري فكانت نماذج مشرقة لأجيال لاحقة، ومن أهم أعماله "الجدار الآخر" و"الظمأ" و"جزء من حلم" وكتابه الشهير "حوار في الحزن الدافئ" الذي حاز عليه جائزة الإبداع العربي. أبو وجدي وأبو زين كان كذلك نموذجاً للوفاء والعرفان للرموز الكبيرة وجيل التأسيس حيث ارتبط اسمه بأبيه الروحي الأستاذ الكبير محمد حسين زيدان وألف عنه كتاباً مهماً وظل طيلة حياته معترفاً بفضله وأياديه البيضاء عليه، وهو نموذج لا يتكرر كثيراً في الساحة المحلية التي قال عنها الزيدان "مجتمع دفّان". وللجفري عليّ شخصياً فضل كبير منذ بداية عملي في الصحافة الثقافية في صحيفة البلاد وصولاً إلى إشرافي على ملحق الأربعاء بصحيفة المدينة حيث كان يبادر بالاتصال والسؤال والإشادة بكل عمل يستحق شيئاً من ذلك، وكنت أسعد بلقاءاته على هامش منتدى الثلوثية في منزل صديقه ورفيق دربه والدنا محمد سعيد طيب، وكانت آخر زياراتي له قبل أشهر حيث كان يعد الصفحات الأخيرة من كتابه "مشواري على البلاط" وقد نشر منه حلقات في المجلة العربية ويعده للنشر في كتاب مستقل. زرته ثلاث زيارات متتابعة وفي كل مرة أجد لديه صديقين له أحدهما القاص وصديقه القديم عبد الإله عبد المجيد بحضور ابنه وجدي، وكان المرض يتجول بخبث في جسده لكنه كان مشرقاً كعادته ومحباً للجميع ولا يرغب في الحديث عن مشكلته الصحية. وبهذه المناسبة أجدني مدفوعاً للمواقف النبيلة التي قادتها مؤسسة اليمامة للصحافة والنشر وخاصة صحيفة الرياض تجاه الجفري حيث أفردت صفحاتها لإنتاجه ومنحته إحدى جوائزها الثقافية الكبرى وطبعت له إسهاماته وهي أياد تقدمها المؤسسة لكثير من المبدعين إيماناً بدورها الثقافي الأوسع. رحم الله أبا وجدي وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.