القيادة تعزي ملك ماليزيا    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    محمد بن فهد.. موسوعة القيم النبيلة    مجلس الأعمال السعودي - الفرنسي يبحث تعزيز الشراكة الصحية    رأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة.. نائب أمير مكة: القيادة الرشيدة سخّرت جميع الإمكانات لراحة وطمأنينة ضيوف الرحمن    يعد ضمن النسبة الأقل عالمياً.. 2.3 % معدل التضخم في المملكة    عون يضع السلاح على طاولة الحوار وسلام على خط الإعمار .. لبنان يتحرك.. تثبيت السلم الأهلي وتحفيز العودة في الجنوب    المملكة تؤكد على وقف الدعم الخارجي لطرفي الصراع في السودان    الأردن يحبط مخططات تخريبية ويوقف 16 متورطاً    جريمة قتل في القاهرة    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (3-3)    في إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. تحد كبير لآرسنال في معقل الريال.. وإنتر لتأكيد التأهل    بعد خسارته في إياب نصف النهائي أمام الشارقة.. التعاون يودع بطولة كأس آسيا 2    في ختام الجولة 29 من " يلو".. نيوم للاقتراب من الصعود.. والحزم لاستعادة التوازن    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الهولندي القضايا الدولية    بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة.. 598 مستفيدًا من مركز الأطراف الصناعية في تعز    السجن 5 سنوات لمواطن احتال على 41 ضحية    المظالم ينجز46 ألف دعوى خلال 3 أشهر    فيلم "هو اللي بدأ" خطوة لصناعة دراما برؤية مختلفة    حسن عبدالله القرشي.. شاعر البسمات الملونة (2/2)    المدينة المنورة: تطوير تجربة الزائر بربط المواقع التاريخية وإثراء البعد الثقافي    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    تغريم 13 صيدلية 426 ألف ريال لمخالفتها نظام "رصد"    قريباً في جدة    صدور الجبال.. معقل النمر والصقر    هل ضاعت الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي؟    مواقف في بيت ثعابين    تعليق الدراسة الحضورية في نجران بسبب موجة الغبار والأتربة    تحت إشراف مركز الملك سلمان للإغاثة.. فريق «البلسم» الطبي يصل سورية استعدادًا لإجراء 95 عملية ضمن المشروع الطبي التطوعي لجراحة وقسطرة القلب    بلدية محافظة البدائع تفعل "اليوم الخليجي للمدن الصحية"    سمو أمير الباحة يتسلم تقارير منجزات أمانة المنطقة والبلديات    الأمير سعود بن نهار يطلع على منجزات ومبادرات أمانة الطائف    مؤسسة الوليد للإنسانية وجمعية الكشافة توقعان اتفاقية استراتيجية لتمكين الشباب    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    محافظ الطائف يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الفنون البصرية    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    توترات جديدة في العلاقات الفرنسية - الجزائرية    مؤتمر القدرات البشرية.. مجمع الملك سلمان يقدم ثلاث مبادرات نوعية    مركز الملك فيصل يصدر "كتاب الأزمنة" للمُبرّد    أمسية بتبوك تستعرض الصالونات الأدبية ومكانتها الثقافية    تعليم الباحة يطلق جائزة الشيخ الدرمحي للتميز التعليمي    تعليم الطائف ينفذ مشروع معاذ للسلامة الإسعافية في مقرات العمل    "بينالي الفنون الإسلامية 2025" يواصل استقبال زوّاره في جدة    برشلونة يتأهل إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ 6 سنوات    الأخضر تحت 17 عاماً يعاود تدريباته استعداداً لنصف نهائي كأس آسيا    إجراء قرعة دوري الإدارت الحكومية لكرة القدم 2025 بمحافظة حقل    انطلاق أعمال الدورة ال47 للجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    نائبا أمير الرياض والشرقية يعزيان أسرة بن ربيعان    20 ناطقا بغير العربية ينافسون عربا بمسابقة قرآنية    بخيل بين مدينتين    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    الحقيقة التي لا نشاهدها    الفلورايد تزيد التوحد %500    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله الجفري : آخر الرومانسيين الكبار
نشر في الرياض يوم 05 - 10 - 2008

لم يكد العيد ينقضي، حتى فجعنا بفقد أديب سعودي كبير، أمتاز بكثرة نتاجه، وبشغفه للكتابة بالصحافة، فخلال أكثر من نصف قرن من الزمان وهو يكتب، ويتدفق كشلال نقي، وفي آخر لقاء معه في منزل الشاعر د. عبد الله با شراحيل في بداية هذا العام، وكان بصحبة صديقه الأديب محمد الجوهرجي، كان باسما ضاحكا كعادته، ومعلقا على شعر صديقه في تلك الأمسية التي حفلت به هو أيضا.
عبد الله الجفري، كان معلم الرومانسية، في تلك الكتابات التي كانت تشع حبورا وفرحا ،وتلك اللغة الجميلة التي ترمم زمننا الردئ، وتجمّله كأجمل ما يكون التجمُل في الكتابة ،كانت كتاباته الأدبية في مجملها لا تخلو من هذه الكتابة، كتابة تهتم بالجماليات وتنشد كل جميل، ولا تخلو من صنعة أدبية رفيعة المستوى، كان يشبه تلك المدرسة التي خرج منها نزار قباني في رومانسياته، لكن الجفري كان له الفضل الأكبر في نشر هذا المدرسة الرومانسية في الكتابة الأدبية مع غيره بالطبع في المملكة. كان هناك سباعي عثمان يرحمه الله بالطبع، وآخرون في صحافتنا السعودية، يمتاز أسلوبهم الأدبي بجماليات الكتابة. وتتلمذ على أياديهم كثير من الصحفيين والكُتاب في صحافتنا. لكنء الجفري، تفوق بغزارة ما ينتج، وبشهرة واسعة، فأعمدته الصحفية أشهر من نار على علم، وكتبه التي بقينا نقرأها، لم تزل تأخذ مكانتها في مكتباتنا. ورغم غزارة الإنتاج إلاّ إن رسائل الماجستير والدكتوراه قد خلت - كالعادة - من دراسة أكثر من 60كتابا أصدرها. وحتى الجوائز التي نالها، لا تتناسب مع إنتاجه الغزير ولا علو كعبه في عالم الأدب.
الجفري حالة استثنائية في أدبنا وصحافتنا السعودية، وبرغم موته المفاجئ، والمفجع أيضا، إلاّ إنّ هذه الحالة من الفقد قد نبهتنا إلى ضرورة الاهتمام بنتاج أدبائنا، وتخصيص ندوات وأمسيات أدبية تتناول أدبهم بالدراسة وهم أحياء وتكريمهم من قبل المؤسسات الثقافية في بلادنا. وتخصيص رسائل علمية تتناول أدبهم وهم أحياء، وهذا أقل القليل في حقهم.
"جزء من حلم" عبد الله الجفري
بقلم سامح كعوش
لم يكتمل الجزء من الحلم الذي كتبه في روايته ليرحل عنا، على الأقل كان يجب أن يعيشه واقعاً، أو أن يكمله بقمر حلم فضيّ اللون، مخفوق بعصير الأمنيات الدافئة لمبدع وأديب صافٍ كالفضة، نقي كالنهر، ممتد كالصحراء.
عبد الله الجفري يرحل عنا في يوم عيدنا، كأنه يبتر جزءه الخاص به من حلمنا بالعيد، أو كأنه يسرق منا لحظة ابتسامة ليقول لنا "سيظل العيد ناقصاً بعدي"، ويظل العيد بعده بعيداً في وهم الوداع كحقيقة لا تطفئ نيران الوجد والبعد، لأننا الكاذبون في التقويم، والتقويم كذبة الوقت في أعمارنا، يسأل واحد: - متى مات؟ يجبه آخر: - اليوم، لماذا التساؤل طالما أننا صدقنا كذبة الوقت، كذبة الموت، وكفى.
يتسرب منا عبد الله الجفري كما عنصر ذكي من عناصر الحياة، يحتال على السد والضد، وكل ما هو خارج الثقافة واقع في الخرافة، والتعصب الأعمى للفكرة لا تقبل وجهها الآخر في المرآة، يتسرب كالماء، كالهواء، كالنور، وهو سيد العناصر الشاعرة، بقلم الأديب، وأدب الألم، والفكرة، ومعايشة النمرة.
يتسرب منا هذا الضوء العملاق، بعدما زار مستشفاه مراراً حتى اعتادته آلات الفحص والاختبار، حتى صار "صديقاً" لمرضه، آه ما أصعبها من كلمة، من عبارة مؤشرة إلى صيرورة تافهة لأعمارنا المجنونة، وكم من الكبار المبدعين صاروا أصدقاء لمرضهم، وكم من شبه في الصفة والعلة، بين عبد الله الجفري والسياب والماغوط، وكثيرين آخرين لا إمكان لحصرهم في ضيق الفكرة واتساع الألم.
هل هي رواية أخرى يكتبها عبد الله الجفري؟ أم هي حيلة الموت التي يتقن المبدعون والأدباء حقاً، اللجوءَ إليها بعدما تتعبهم الحياة حدّ اليأس من وعودها الكاذبة؟، لا يعلم واحدنا أي سفرٍ يسافره هذا الشقيُّ بالقلم كما كان دائماً، ويكون في الذاكرة المكتوبة بالحنين غداً.
هل هي مساحة سلام داخلي، ارتاح إليها عبد الله الجفري، بعدما حاول مراراً قبلاً، ولكن منظماً لضربات القلب حكمه وتحكّم به؟، آه، هذا القلب الشاعر الراوي، الكاتب جماليات الحب وفرحة الحياة، وعذب عذابها، هل يحكم شعوره بالأشياء ونحوها منظم غبي لا يتقن غير العد؟.
قليلا كل ما سنكتبه اليوم وغداً عن رحيل عبد الله الجفري، فزاوية الكتابة ستفرغ من مداد قلمه، ونزف ألمه، وعطاء وجده الشاعر بالآخرين وهمومهم، والكاتب عن أفراحهم وأتراحهم، في "ظلاله" التي تفيأ كل مبدعي السعودية والخليج وارفها في قيظ هجير هذه الحياة، بالمحبة التي أعلنها حتى في وصيته الأخيرة، وزاويته الأخيرة، وكتاباته التي قاربت الثلاثين فكأنه في سباق مع العمر، يكتب "لحظاته" و"نبضه" و"رسائل حبه العربية" و"خفقة قلبه"، و "زمن يليق بنا" وغيرها من العناوين التي إن دلت على شيء فهي تدل على رسالة لم يتح لها من الوقت الكثير لتقول ما لديها، وإن كانت السنوات التسع والستون كافيةً للبوح بهذا الحب الوطني والعروبي والإنساني، إلا أنها حتماً، لم تكن كافيةً لترجمة هذا الحب مشروعاً ثقافياً يحتاج إلينا ليقول الآن، بعد رحيل صاحبه، ما لديه.
شاعر وناقد أدبي فلسطيني
حزن بحجم فرحة العيد هذا العام
لقد أتى العيد سريعا هذه السنة بعضهم، وأنا منهم، كان يردد هذا ليلة العيد وبكل هذه العجلة نفاجأ بان العيد انتهى سريعا أيضا كما قدم. في أول أيامه يرحل الأستاذ عبدالله الجفري. كنا نبحث عن كلمات لحظة وصول الخبر ولكنها الحيرة الكبيرة جعلت من أول أيام العيد حزنا مقيما حولنا وكأننا لم نفرح من قبل إنها فعلا مفاجأة قاسية لم تتوقع فقد كانت ظلال الأستاذ عبدالله الجفري رحمه الله تعالي تحيط بالعيون في أكثر من مكان ورغبته وجديته في الاستمرار تجعل منه فعلا مستمرا للكتابة. لن نجد الآن كلمات نعزي بها أنفسنا ونعزي بها أهله وذويه فقد أذهلت المفاجأة الجميع. فكاتب الوجدانيات المتواصل والباحث الدائم عن الرومانسية في عصر المادة القاهر ترجل في أول أيام العيد وكأنه يكتب بين أيدينا اغرب كتابة وجدانية حقيقية جعلتنا نقف مبهورين أمام هذا الحدث وهذه الكلمات التي نبحث عنها لنكتبها ولكنه كتبها قبل أن يذهب بفرحة العيد معه وكأنها مكافأة له عليه أن يأخذها منا معه يوم رحيله. لقد ترك الناس في أيامهم واخذ عيدهم معه ورحل دون أن يكلم احداً أو يسأل أحدا أو حتى يودع فموته كان كمفاجآت جمله الرومانسية الحالمة تفاجئ القارئ بلا مقدمات. رغم دأب الرحال على الكتابة إلا انه لم يتوقف إلى آخر أيامه حين تمكن منه المرض واسقط القلم من يده حتى انه لم يسمع صوت ارتطام القلم بالأرض فقد كان المرض مسيطرا عليه تماما وربما شعر لحظتها أن الهواء توقف تماما إذ كانت الكتابة هي الهواء الذي يتنفسه وهي الوسيلة الوحيدة التي تجعله متجليا في الحياة أمام الجميع. رحم الله الأستاذ عبدالله الجفري وألهم أهله وذويه الصبر.
(إنا لله وإنا ليه راجعون).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.