من لا يسيس لناقته غار درها والدر مهما غار يحتال حالبه والدار سوق موسم البيع والشرا وكل امريء ما شاقه الا مطالبه والشوق شين قل كفى الله شره نار تلظى يسعر القلب لاهبه فلولاه ما شنت على الناس غاره فلا شن للغارات إلا جلايبه وللشف تسعى كل نفس نهارها شقوى الحشا وان جهنا الليل تاعبه ولولاه بار السوق والبيع والشرا فلا حاجة تلقى بها الناس طالبه تفكر بعقل يا فتى منك حاضر ترى الدين والدنيا على الشف ساكبه ولو الغنى في الناس من فاطر السما بالشف كان الدين والدون خاربه ويوم الفتى قل يدخر منه ساعه لا بد ما يحتاجها في نصايبه ولياك مد الكف للكف يا فتى الا بيمنى مالك الكون قاطبه مبوسطةٍ يمناه تهمي لخلقه والغير مهما جاد يمناه ناصبه ولا يد تجود إلا عزيزه ومن جاد ساد وكف يمناه غالبه ومن عقل يستحيي من الله والملا ومن قنع استكفى بما الله كاتبه فلا عاقل إلا جليل مكرم ولا قانع إلا يحبون جانبه والاطماع ذل والقناعة معزة والصدق نور والتقى صان صاحبه فثق بالإله الرازق الكون كله فارزاقنا من رب الارباب واجبه ونفس الذي ما تكتفي بالذي لها شعبها البلا في طود الاطماع شاعبه ومن لا يكون غناه في داخل الحشا فالطرف ما يملاه إلا ترايبه نسب الشاعر وعصره: هو أبو محمد راشد الخلاوي العجلاني عاش في القرن الثامن الهجري ومطلع القرن التاسع الهجري اشتهر بصحبته لمنيع ابن سالم أحد أمراء آل مانع من بني عصفور من بني عقيل. مناسبة الأبيات: استكمالاً لموضوع الجزء الأول فهذه الأبيات أيضاً مجتزأة من قصيدة راشد الخلاوي البائية والمشتهرة بين الرواة والمدونين باسم الروضة والتي تشتمل على كم وافر من النصائح والمواعظ التي نستطيع القول إن الشاعر من خلالها يمارس دور المربي الحريص على إنفاذ نور المعرفة والحكمة إلى جميع زوايا الحياة المعتمة والغارس قيماً وأخلاقيات وسلوكيات رفيعة في فكر ونفس فتى يافع هو منيع ابن سالم. معنى الأبيات: يرى الشاعر أن إدراك المطالب والحاجات يتأتى بالسياسة حتى أن صاحب الناقة إذا لم يسسها انكمش ضرعها وارتفع منه الدر، وكذا هي الدنيا سوق بيع وشراء وتبادل مصالح وكل إنسان يسعى مشتاقاً ومتلهفاً إلى إدراك مصلحته وبلوغ غايته، ولكن التلهف نار يحترق من لهبها كل قلب، وهو سبب الحروب والاقتتال بين الناس، ولهذا تسعى الناس جميع نهارها في كد وشقاء لإدراك مصالحها وقضاء رغباتها، ولولا اختلاف الرغبات لكسد سوق البيع والشراء ولم يبق للناس حاجة في هذه الحياة المملة، وإنما السر يكمن في تبادل المصالح وتفاوت الناس في إدراكها، وهذا الأمر مدعاة للتفكر واستحضار العقل في أن أمور الدين والدنيا لا تأتي حسب هوى النفس ولو أن الغنى يهبه الله وفقاً لأهواء البشر لكان في ذلك خراب الدين والدنيا، وإنما تتمايز الناس بمدى الجهد والعمل المبذول، وأن من يدخر من يومه ساعة في عمل خير سيجد ثمرتها في آخرته، ثم يخاطب الفتى ناهياً إياه أن يمد يده لأحد غير الله جل وتعالى وهو الذي يداه مبسوطتان لخلقه، ومبيناً أن البذل والعطاء دليل العزة وسبيل السيادة والغلبة، ومن عقل أدرك ذلك ووجد في نفسه الحياء من الله ومن الخلق في أن يسأل أحداً غير الله، ومن قنع استكفى بما كتب الله له، فالعاقل يجد الإجلال والتكريم والقانع يجد لين الجانب والمحبة من الناس، ثم يلخص الشاعر جميع ما سبق في نتيجة واحدة تقول إن الطمع هو الذل بعينه وأن القناعة هي العزة، كما أن الصدق نور للإسكان كذلك مخافة الله وقاية له من الوقوع في الزلل، مؤكداً على الإيمان والإيقان بأن الله هو الرزاق المتكفل بجميع من في هذا الكون وأن هذا الرزق مكتوب ومقدر قد أوجبه الله عز وجل على نفسه، وكأن الشاعر يشير إلى قول الله تعالى (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب". ثم يبين الشاعر أن كل نفس لم تقنع بما كتبه الله لها ستشقى ويجهدها طمعها دون فائدة ومن لم يحس بالغنى يملأ نفسه فلن يملأ عينه سوى التراب.