فلا بالتمني تبلغ النفس حظها ولا بالتأني فاز بالصيد طالبه فكم مات شخص والتمنات حظه وكم فات صيد بالتأني وراح به (1) فلا نال للآمال الامخاطر وخواض بحر والمنايا غبايبه (2) فيا ماجد هام الثريا مقامه يرى زهرة الدنيا من ادنى مطالبه فتى لا يرى في دار الاكدار منصب أما سنام العز ولا نصايبه مقام الفتى في منصب العز ساعة ولا الف عام يصحب الذل جانبه ترى العز لو بالنار زين على الفتى والذل لو بالخلد ما زان صاحبه ومن بات رهن للولا والمذلة أضحى عديم العز مأوى نهايبه (3) إذا كان حكم فيه ذل لحاكم في كل حال تملك أعداه غاربه ومن تملك الاعدا زمامه تقوده فان طاع والا فالظبا البيض غالبه ومن قيد بزمام فهو في مذله ولو كان من فوق الثريا مناصبه ومن عاش في ذل حياته نكاده يشوف غبنه ناصب بين حاجبه والغبن شين ويدني الحر للفنا وما فنيت الاحرار الا بغالبه (4) والروح يرخص دونها كل ما غلا سوى الله ما عين عن الموت غايبه فيا مرتع الضيفان في اللين والقسا ويا خير من في الناس ترجى وهايبه من راقب الرحمن لابد يتقى ومن هاب من رب السما لان جانبه والحر مهما عاش في الدار يبتلى ولا يبتلى يا صاح إلا حبايبه وعصر الفتى يعطيه ما مر تاره ويعطيه تارة فوق ما سر جانبه فاصبر على خبث الليالي وطيبها فلا عاد صبار واياديه خايبه الشاعر وعصره: هو أبو محمد راشد الخلاوي العجلاني عاش القرن الثامن الهجري ومطلع القرن التاسع الهجري اشتهر بصحبته لمنيع بن سالم أحد أمراء آل مانع من بني عصفور من بني عقيل . مناسبة الأبيات: هذه الأبيات مجتزأة من قصيدة الخلاوي البائية والمشتهرة بين الرواة والمدونين باسم الروضة وفي هذه الأبيات يركز راشد الخلاوي على النصيحة وهي إرادة الخير للمنصوح له منيع بن سالم حين فقد ملكه . معنى الأبيات: يرى الشاعر أن غاية النفس لا تدرك بالتمني فقط، كما أن التأني قد يفوت على الصائد فريسته، وإنما المغامر المتعرض للخطر هو من يدرك أمنياته ويضرب على ذلك أمثلة ثم يوجه لمنيع الخطاب مباشرة وبأنه ذو منزلة رفيعة ليس له دون العز سوى الصبر وان مقامه في ساعة عز خير من حياته ألف سنة في ذل، ثم يحضه على المطالبة بحقه وان لا يستكين لأعدائه وانه لا يجتمع حكم مع ذل لحاكم ففي كل الأحوال هو مغلوب على أمره، ومن يسلم الأعداء قياد نفسه فان لم يسير وفقاً لأهوائهم أجبرته سيوفهم على ذلك، بل أن من سلم أمر نفسه لغيره فهو ذليل ولو كان ذا منصب رفيع، ومن عاش ذليلا لم يجد غير نكد العيش، ولم يرى غير الغبن أمام ناظريه، والغبن أمر شائن وهو سبب هلاك نفوس الأحرار، وليس أغلى من النفس تفدى بكل غالي، وكل نفس مصيرها الموت والدائم الله عز وجل، وكأنه يشير إلى أن الموت في جميع الأحوال حاصل سواء رضي حياة الذل أو غامر في إدراك العز وبالتالي ان يحيا زمن قصير ويموت عزيزاً خير من ان يبقى طويلاً ليموت ذليلا مغبون، ثم يعيد تأكيد مخاطبة منيع بشكل مباشر وممتدحا إياه بأنه كالربيع لقاصديه في جميع الأحوال سواء كان وقت رخاء او شدة فهو أفضل من يرجى عطائه دلالة على عظم كرمه، وهو أسلوب لطيف يمهد لنصيحة أخرى تتمثل في تقوى الله عز وجل وان الخوف من الله سبباً للين الجانب، وان الإنسان في هذه الحياة معرض للابتلاء والله لا يبتلي إلا من أحب وأن هذه الدنيا دار غرور تتقلب بين مرارة المصائب وحلاوة السرور، ثم يختم نصيحته حاضاً له على الصبر وان الصابر لم يخب يوماً. ولاشك أن راشد الخلاوي أجاد النصح في هذه الأبيات التي ظهرت عليها بشكل واضح ثقافة الشاعر الدينية وكيف خلص بأسلوب سلس ومقنع إلى أن الصبر هو سر النجاح في الحياة وهو ما يؤكده قول صلي الله عليه وسلم "ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر" الهوامش: 1- الشطر الثاني جاء عند ابن خميس (وكم فات صيد بالتئنات غالبه) 2- جاء عند الربيعي كما يلي: فلا يدرك المقصود الا مخاطر يخوض في بحر المنايا غبايبه 3- جاء عند الربيعي كما يلي: ومن بات رهن الذل ما نال طوله اضحى عديم العز لاحل نايبه 4- الربيعي (ولا فنيت الاحرار تبقى زلايبه)